آخر المقالات
الرئيسية » رصاص خشن » قصة قصيرة: «حافظة السراب»

قصة قصيرة: «حافظة السراب»

حسان أحمد شكاط  |  

كان من المفروض أنني قد غادرت هذا المقهى الرخيص منذ ساعتين من الزمن.فمن عادتي أن أحتسي فنجان قهوتي على عجل وأغادر..لكن الأمر الذي حثني على البقاء هي حافظة النقود تلك التي تقبع تحت الطاولة المجاورة لطاولتي.والمثير للغيض والحنق أنها الوحيدة التي يشغلها زبائن وهم الأن يصخبون بالضحك ..منشغلين بلعبة الدمينو المقيتة..اه على تلك الحافظة الجذابة بجلدها الفاخر والتي لم يظهر لها صاحب لحد الأن.ولا حتى انتبه لها اي شخص من رواد المقهى..ترى كم بها من أموال..أكيد مبلغ مغري جدا ..هذا يدل عليه انتفاخها.كم أتمنى أن تكون الأوراق من فئة الألف أو الالفي دينار ..سأدفع ايجار البيت لعمي العيد.ذلك المزعج الذي ينتظرني أمام الباب بداية كل شهر بنظرته الاستفزازية والتي تغني عن أي حديث.

كذلك سأشتري مجموعة جوارب جديدة بديلة عن المجموعة النتنة البالية..وزجاجة عطر رخيصة تخلصني من رائحة العرق المقرفة التي تسبب لي الاحراج أمام الناس.

وقد يكون المبلغ كاف أيضا لاقتناء قميص أزرق فاتح ونظارة شمسية سوداء وبذلك تتتوفر شروط الأناقة وأمشي مرفوع الرأس أمام الجميع.

انتبهت الى شاب يلج الى المقهى وهو يتصبب عرقا..أجال بصره حول المكان بنظرات ثاقبة..أكيد انه صاحب الحافظة جاء باحثا عنها..ضاع الحلم والوقت الذي قضيته هنا أتربص الغنيمة .

توجه الشاب مباشرة الى القهواجي ودار بينهما حديث قصير ..فتح القهواجي الثلاجة واستخرج زجاجة مشروب غازي”حمود بوعلام” وقدمها للشاب الذي احتساها على عجل ودفع ثمنها قبل أن يغادر المكان.

تأففت في ارتياح لذلك ..فلم يكن الشاب صاحبا كما ظننته..يعني أن الغنيمة لازالت في المتناول..لكن هؤلاء السادة لم يبرحوا أماكنهم ولازالوا يصدعون رأسي بالقرع على الطاولة بأحجار الدومينو..”تبا..انصرفوا الأن ..فالحلم هناك تحت أقدامكم..وعلى بعد خطوتين..”

رن أخيرا هاتف أحدهم وحين رده على الاتصال تغيرت ملامحه..

هناك خبر سيئ جعله يستئذن وينصرف من المقهى ولحق به الجميع بعد برهة ..فانتشرت في جسدي قشعريرة من الحماس وتوجهت صوب الطاولة  المجاورة أين يقبع الحلم الجميل.

استخرجت من جيبي مجموعة قطع نقدية وتعمدت إسقاط واحدة حتى أنحني وألتقط حافظة النقود..فعلت ووضعتها في جيبي وسارعت يالمغادرة.مشيت طويلا بخطى رشيقة الى أن أحسست أنني في مكان امن ..انزويت في احدى الزوايا وأخرجتها من جيبي.تفاجأت أنها من الجلد الاصطناعي الرخيص على عكس ماتبدو عليه  من بعيد.لكن لا يهم..الأهم هو ما بداخلها..حين فتحتها ذهلت لهول الصدمة..

كانت الحافظة ممتلئة بورق الجرائد وعثرت بداخلها على ورقة صغيرة كتب عليها بقلم اللباد..” الطماع يموت مشنوق..”

روائي وكاتب جزائري  | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

ليالي الرعب في الرقة

الغرفة شبه مظلمة، مصباح صغير يضيء المكان، يكاد يلف المكان صمتٌ مخيف، تتخلله دقات الساعة …