لو يتواضع الكائن البشري قليلاً نحو حجم معرفته بالحياة والتجارب، لأصبح لدى محيطه مسافة جيدة حتى يقولون ما يعرفونه فقط! ولكن الأمر يزداد عُصاباً وتوتراً وقرفاً، فالمخلوقات الوهمية تعبث بسكينة الكون دون فائدة وتدفع به للسوداوية من شدة “المكاشفات” اليومية التي يضعها الناس على مسؤوليتهم في خدمة “التغيير” المعلوماتي للحدث – الفكر – الظاهرة، فكل تلك الأحوال تحتمل جدلية التلقي ثم القبول أو الرفض أو النقد أو الحوار أو التجاهل..إلخ، ثمة ردة فعل يجب أن تحدث، وحتى يصبح بين يدينا دلائل بشرية تمارس ردات الأفعال تلك، يجب أن يكون البشر على سجيتهم وطبيعتم، وهذه الأخيرة هجّنها عالم الافتراض والاستسهال وبلاهة القول المجاني ومفرقعات الإشاعة، فالناس قبل الحدث لم تكن بهذا القدر من الفظاعة في قول أي شيء حتى لو لم يكن له معنىً، تلك شهوة الحضور “الهاشتاغية” الصاعدة نحو المجهول، تنذر بسقوط كبير للبشرية على شكل محنطات تراثية لمَ كان يسمّى “الصدق”!
مجرد ما اقتحم الفراغ حياة هؤلاء حتى تحولوا لكائنات تعرف كل شيء ابتداءً من التحليل الميداني – السياسي – العسكري- الاعلامي- المجتمعي – الفكري – الفلسفي – الثقافي- الجنسي- الكيدي- الفني وفي مرحلة مقبلة يتحولون إلى أربابٍ رغم شحّ منجزاتهم ونوعيتها، فالنرجسية الفاجرة وحبّ الأنا ودناءة النفس، ربما تليق بالأشخاص الذين يضيفون للبشرية ما هو جديد، وأزعم أن الفهيم لا يصل تلك العقد لانشغاله السامي بما هو أكثر أهمية وخَلقاً للإنسانية، بيد أن “الكلّ” المفلوت على الصفحات الإلكترونية يُذهب شهية التواصل والكشف والقول بما يصدّره للآخر من “فيضانات الفهم” بكل شيء بعيداً عن تفاصيل الحياة التي ربما تكون أكثر صدقاً وتشبه أصحابها، أصحاب خذلوا محيطهم النفسي وهربوا من مستنقع ذواتهم المستهلكة ليغرقونا بفهمه “الكلّي” لسرّ التفاصيل اليومية والمستقبلية وحتى تلك التي يفكر القدر في انجازها لاحقاً…
مدير التحرير