فتح التلفزيون السوري الرسمي مع بداية الحرب السورية نوافذ مع المحافظات غير المركزية وخاصة تلك البعيدة عن العاصمة دمشق، وأخذت المراكز الإذاعية والتلفزيونية تستضيف شخصيات للحديث عن الهجمة الشرسة التي تتعرض لها سورية و”الحرب الكونية” التي تعصف بها، كانت تلك الظروف فرصة لظهور وجوه كثيرة على الشاشات السورية، وكانت المراكز الإذاعية والتلفزيونية تستضيف مدرسي تربية قومية وصحفيين وباحثين و”عواطلية” و”شلنتحية” ليؤكدوا فشل المؤامرة وانتصار الشعب السوري عليها، ولعلنا قلنا حينها: “فترة وتعدي”.
إلا أن الحرب لم “تخلص” كما توقع أحد المحللين العرب في الأشهر الأولى، وأخذت منحىً مختلفاً تماماً بعد أن بدأ تدفق السلاح، وهذا ما أدى إلى إحجام أغلب ضيوف المراكز الإذاعية والتلفزيونية عن الظهور، واعتزلوا نهائياً خوفاً من التصفيات التي باتت تطال كل من يطل برأسه عبر شاشات الإعلام السوري، وبالتالي أصبحت تلك المراكز تعاني وتتخبط، نتيجة نقص الضيوف. وتكرار الوجوه أسبوعياً وإعادة تدويرها ليس مُستحباً.
لجأ موظفو المراكز إلى أقاربهم ومعارفهم، وبدأوا يزجون بهم على شاشة الفضائية السورية كل يوم جمعة، ليخبروا العالم أن لا حراك والحياة طبيعية، ويسبهوا في الحديث عن المؤامرة وعن الصمود والامبريالية، طال أمد الحرب أكثر، واستنزف الإعلاميون كل معارفهم وأقاربهم، وكادوا يضعون إعلاناً مكتوباً في الصحف وعبر مواقع التواصل الاجتماعي يطلبون ضيوفاً لنوافذهم الأسبوعية، ثم أخذوا يأتون بكل من يرغب بالظهور على شاشة التلفزيون والتحدث، وقد استضافوا في محافظة الرقة على سبيل المثال، مراقب دوام في كلية التربية، وحين سألوه، “ماذا تحب أن نضع لك صفة تحت اسمك”؟
أجاب بلا تردد: “يا ريت تحطو تحت اسمي صفة إعلامي”.
وبكل بساطة وضعوا له تلك الصفة تحت اسمه ومنحوه لقباً مجانياً، لم يفكروا حتى قليلاً فلا مجال لديهم للتفكير، وهم مطالبون بفتح نافذة إسبوعية، وربما توهم هو في لحظة أن تعليق الأوامر الإدارية في لوحة إعلانات الكلية يخوله أن يكون إعلامياً، وربما وجد فرصته المناسبة لملء النقص في شخصيته عبر هذه الإطلالة، وهذا ما تبين لاحقاً حين خرج من سورية ووصل إلى فرنسا ليُعلن انشقاقه عن التلفزيون السوري بصفته أحد الإعلاميين العاملين فيه، ويقدم صور اللقاء التي ظهر فيه على أنه مذيع في استديو التلفزيون.
الفرنسيون ليسوا أغبياء لكنهم يتذاكون على الناس ويلعبون ببرودة أعصاب ويحرقون من المناديل الورقية التي تتاح لهم ما استطاعوا غير آسفين، فهم حين يستضيفون أحد الحمقى في إعلامهم يحاولون خداع شعبهم الذي لا يعرف حقيقة هذا الضيف “الإعلامي” المنشق الذي دخل استديو المركز الإذاعي والتلفزيوني مرة واحدة في حياته من أجل “التشبيح”. تماماً كما يفعل التلفزيون السوري عبر قنواته حين أصبح يستضيف كل من هب ودب ويفتح له الهواء ليتحدث و”يخبص”، ويضع له تحت اسمه صفة باحث. ففي كل يوم نطالع اسماً جديداً، ربما لن تكون لدينا مشكلة مع من لا نعرفهم شخصياً وندرك حقيقتهم جيداً، إنما أولئك الذين نعرفهم هم من يستوقفونا، لأنهم كانوا دائماً محل شبهة، وحولهم الكثير من الإشارات، ومع ذلك يطلون علينا للحديث في أمور ليست من صلب اختصاصهم، لكن كل ذلك لا يهم لأن لدى التلفزيون السوري ألقاب تكفي الجميع، وبمقاسات متعددة، فهو منحهم ألقاب باحثين ومحللين وإعلاميين و”شنترحفانا” رغم أنهم لا يختلفون في تحليلاتهم وقراءاتهم للمشهد عن ليلى عبد اللطيف، والقطيع الذي يطبل ويزمر لهم على الفيسبوك لا يختلف إيديولوجياً عن امرأة تتصل لتعرف كم سيجمع ابنها بالثانوية العامة؟
مجلة قلم رصاص الثقافية