الرئيسية » رصاص حي » رحلة البحث عن صلاح الدين الأيوبي (3)

رحلة البحث عن صلاح الدين الأيوبي (3)

حسام قصي شراباتي  |  

الجزء الثالث : نهاية الحكم الفاطمي – وزارة مصر :

كما ذكرنا في الجزء السابق، كان (نور الدين زنكي) ينتظر الفرصة المناسبة  للتدخل في الشؤون المصرية و من ثم الاستيلاء عليها و ضمها لمناطق نفوذه و سيطرته  بدأ يتحقق له ذلك بتولي (أسد الدين شيركوه) كرسي الوزارة المصرية بعد أن قام بقتل (شاور) وزير المصريين و أرسل رأسه للخليفة (العاضد) جرياً على عادة المصريين و بعد أن مات (أسد الدين شيركوه) فوّض الأمر من بعده إلى ابن أخيه (صلاح الدين الأيوبي) و يورد ابن عديم ذلك في كتابه “زبدة الحلب في تاريخ حلب” :

“و بعد وفاته أي أسد الدين شيركوه، فوّض الأمر من بعده لابن أخيه – أي صلاح الدين- و كان جماعة من الأمراء الذين كانوا مع أسد الدين قد تطاولوا إلى الوزارة منهم: عين الدولة بن ياروق و سيف الدين المشطوب و شهاب الدين محمود الحارمي خال صلاح الدين و قطب الدين ينال بن حسان، فأرسل العاضد إلى صلاح الدين و احضره عنده، و ولاه الوزارة بعد عمّه و خلع عليه و لقبه – الملك الناصر”.

و يشير أيضاً -ابن شداد-  الذي عيّنه صلاح الدين قاضياً لعسكره و للقدس و الذي لم يفارق صلاح الدين حتى وفاته، يشير  في كتابه “النوادر السلطانية و المحاسن اليوسفية”:

“أسد الدين شيركوه أخذه مرض شديد و اعتراه خانوق عظيم، فقتله و فّوض الأمر من بعده إلى السلطان –أي صلاح الدين – الذي شكر نعمة الله عليه فتاب عن الخمر و أعرض عن أسباب اللهو و تقمص بلباس الجدّ و الاجتهاد”

صلاح الدين – نائب نور الدين زنكي – عن مصر عُين من قبل الخليفة الفاطمي العاضد وزيراً للمصريين، قام بإتمام الخطة التي رسمها نور الدين و عمه أسد الدين للسيطرة على مصر، و إن كان الخليفة الفاطمي قد قرّب صلاح الدين إليه و أرسل إليه الهدايا و العطايا إلى مقر إقامته في دمياط و التي كانت  قاعدة عسكرية له للدفاع عن مصر ضد الهجمات الصليبية. فإنه قد استغل منصبه وظلّ يطلب الأموال من الخليفة العاضد حتى أفلسه، هذا الأمر الذي كان جزءاً من الخطة المتفق عليها لإفلاس الخزينة الفاطمية و إخضاع مصر لهم و سلب سلطة الخليفة بالطرق السلمية – المقريزي يشير في خططه في الصفحات 358 – 359:

” و استبد – أي – صلاح الدين-  بالأمور حتى منع العاضد من التصرف”

و يقول أيضاً:

” و صلاح الدين – يوالي الطلب منه كل يوم ليضعفه – فأتى على المال و الخيل و الرقيق حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد – فطلبه منه و ألجأه إلى إرساله و أبطل ركوبه من ذلك الوقت، و صار لا يخرج من القصر البتة”

و أيضاً، صلاح الدين بعد أن استطاع من دحر الصليبيين بمساعدة قوات أرسلها نور الدين زنكي – من قاعدته في دمياط، قام بطلب والده من الشام “نجم الدين أيوب” ليكون مستشاره و يعينه على تنفيذ الخطة المرسومة .

من النصوص السابقة و من التتابع الحاصل للأحداث، تتوضح جلياً العلاقة بين صلاح الدين و الخليفة العاضد الذي هو من اختار صلاح الدين وزيراً له – الأمر الذي يعبر عن مدى ثقته فيه – و إدراكاً منه على قدرته على صدّ الهجمات الصليبية من جهة و تسيير أمور البلاد و العباد من الجهة الثانية  و بنظرة أوسع نور الدين الذي كان عملياً يتبع للخلافة العباسية في بغداد أوفد أسد الدين و صلاح الدين إلى مصر – أرض الخلافة الفاطمية – التي تعتبر ألد خصوم العباسيين لا ليقدم لها العون و إرساء السلم و الأمان، بل خطته تقتضي القضاء على الحكم الفاطمي بشكل نهائي و أما الفاطميين و على رأسهم الخلافة العاضد – تركوا الصراع الفاطمي – العباسي جانباً و فضلوا الاستعانة بولاة العباسيين على أن تقع بلادهم بيد الصليبيين، لكن كما قلنا سابقاً نور الدين خطته تقتضي القضاء على الخلافة العباسية أولاً و إعادتها للحكم العباسي ثانياً.

ابن عديم – في كتابه زبدة الحلب في تاريخ حلب، يقول  بأن نور الدين كتب إلى صلاح الدين يأمره بقطع الخطبة العاضدية و إقامة الخطبة المستضيئة  العباسية – فامتنع صلاح الدين و اعتذر بالخوف من قيام أهل الديار المصرية عليه و كان يؤثر أن لا بقطع الخطبة للمصريين في ذلك الوقت خوفاً من نور الدين زنكي من أن يدخل إلى الديار المصرية، فيأخذها منه و إذا كان العاضد معه امتنع و أهل مصر معه، فلم يقبل عذره نور الدين و ألح عليه.

صلاح الدين و إن كان ينفذ خطة نور الدين شكلياً إلا أنه كان له خطته الخاصة التي يرسم لها و يعدّها للمدى البعيد و لضمان نجاح هذه الخطة كان عليه أن يمنع نور الدين من التوجه إلى مصر و لكن بطرق سلمية و بذات الوقت كان لا يقبل أبداً أن يتبع له أو أن يسلمه مصر، لأن نور الدين مازالت قوته تفوق قوة صلاح الدين، و عندما أدرك عزم نور الدين للتوجه إلى مصر و انتزاعها منه استغل فرصة مرض الخليفة العاضد فقطع الخطبة الفاطمية و خطب للخليفة العباسي و بذلك منع نور الدين من التوجه نحوه و حقق له غايته و يورد ابن عديم في ذات المرجع السابق:

“و كان العاضد مريضاً، فخطب للمستضيء في الديار المصرية و توفي العاضد و لم يعلم بقطع الخطبة و قيل أنه علم قبل موته”

و بذلك استتب الأمر لصلاح الدين في مصر و أصبح الحاكم المطلق لها، و الحقيقة أنه منذ اللحظة التي كاتب فيها نور الدين – صلاح الدين طالباً منع قطع الخطبة الفاطمية – دخلت العلاقة بين الرجلين مرحلة أخرى فأخذت تتحسن ساعة و تسوء ساعات – تلك العلاقة ستكون محور الجزء الرابع من هذه السلسة.

و بالعودة إلى أوضاع مصر تحت سلطة صلاح الدين يمكن الوقوف عند عدة نقاط مهمة و محورية جرت في مصر تحت إمرته المباشرة أو تحت إمرة ولاته حين خروجه عن مصر للقتال، تلك النقاط يمكن تلخيصها بالآتي:

1 – كتب الدكتور و الباحث صلاح الدين مؤنس – و هو الذي يعرف عنه دفاعه المستميت عن صلاح الدين في إحدى مؤلفاته قائلا: “رجال صلاح الدين ظلموا المصريين، الفلاحين و الفقراء و أن جباة الضرائب وصلوا إلى مرحلة ضرب الناس مقابل حصولهم  على الضرائب”.

2- مكتبة دار الحكمة القاهرية و مكتبة القصر القاهري و غيرهم من المكتبات التي كانت أحداهم تحوي طبقاً للأصفهاني و ابن اثير و ابن  كثير و ياقوت الحموي و المقريزي ما بين مليون و ستمائة ألف كتاب إلى مليونين و ستمائة ألف كتاب، قام صلاح الدين و ورجاله و قادته و أعوانه بإحراقها و مزقوا الكتب و رموها في الطرقات بحسب بعض المؤرخين في حين أن بعضهم الآخر قالت بأن صلاح الدين لم يحرق تلك المكتبات بل وزع كتبها و باعها بإشراف حاكمه التركي “قارقوش” و في كلتا الحالتين، انتهى أمر تلك المكتبات التي ضمت أهم الكتب في ذلك العصر.

3- “قاراقوش” – وزير صلاح الدين على مصر – قام بهدم عدداً من أهرامات الجيزة الصغيرة و بنى بحجارتها قلعة القاهرة و أسوار عكا و القناطر الخيرية يمكن تلخيص النقاط السابقة يمكن القول بأن حكم صلاح الدين كان قاسياً جداً على مصر وأنه كان له دور و لو بشكل غير مباشر أحياناً بتدمير المكتبات التي ضمت أهم و أكبر كتب ذلك العصر و أيضاً بتدمير جزء من التراث الأثري المصري و انتهاءً بالمعاملة القاسية ضد المصريين، تلك الأمور التي يمكن تبريرها أبداً تحت أي مسمى كان.

كاتب و مخرج سينمائي | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

“الطريق إلى المرمى” مجموعة قصصية للكاتب هاني الصبيحي

صدرت عن دار الخليج للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان مجموعة قصصية للكاتب الأردني هاني …