“إن مستخدمي فيسبوك بسطاء، إنهم يثقون بي” التوقيع مارك زوكربيرغ، الشاب المنطوي المنعزل الذي غير وجه العالم حتى بات أكثر شحوباً ووحشة بفضل موقعه الأشهر: فيسبوك. لم يستطع الوثائقي الذي بثته قناة ” Dubai one” منذ أيام، أن يَعبر إلى لقاء خاص مع صاحب فيسبوك، بل كانت فكرته قائمة على تحليل مقابلات متسلسلة من تاريخ بداية فيسبوك ترصد تركيبة مخترعه، النفسية والاجتماعية، إضافة إلى شهادات ممن عملوا معه أو إلتقوه.. لن أدخل في تحليل المادة الفنية لبناء هذا الوثائقي بل سوف أتوقف عند الجملة التي افتتحت بها كلامي أعلاه.
إننا نعيش لعنة فرضها شاب موهوب بتحول المشاعر الإنسانية إلى رموز برمجية تظهر من نافذ الكمبيوتر إلى عالم النت على هيئة “تواصل” هذا الأمر دفعني بشكل شخصي مؤخراً لهجران تلك الجدران المؤلمة بكذب معظمها وضيق أفق مخيلة ما بقي منها، قرار قد أغيره لاحقاً فيما لو أصبح الأمر لازماً من لوازم التواصل الإلكتروني لنشر ما أعمل به من صحافة وكتابة فقط.
“نحن بسطاء” قالها مارك، نحن بلهاء، نحتاج خيوطاً لتبرير فشلنا الاجتماعي وأمراضنا النرجسية، نسلم كل وثائقنا ويومياتنا وصورنا وذكرياتنا لامبراطورية يحكمها شاب دكتاتور فاشستي إلكتروني، أول من طعن بهم هم “الأصدقاء” ليغير مفهوم الصداقة التي تحتاح لوقت طويل حتى تنضج، مسخها ها هنا في موقعه “أضف صديق” أي جرم ترتكبه البشرية بتحويل هذا السمو إلى كبسة زر غبية “بسيطة” لنكون جميعنا جنوداً في جيش العزلة والانطواء.
مليار مشترك، مئات آلاف الأسهم التجارية، استثمارات، إعلانات، قيادة نفسية وتأثير في الرأي العام، هكذا يعمل مارك، إنه يدير العالم من أميركا من سيليكون فالي، من بالو ألتو مدينة التقنيات والبرمجيات، لقد جعل كل شيء ممكن، أصبح لدينا شعراء وكتاب وفنانين و نجمات ونجوم وهم في الأصل لم يكونوا شيئاً.. أناس لم يقرأوا يوماً تراثاً أو تاريخاً أو أدباً أو ساهموا بصنع التغيير البطيء الذكي الذي يفرض حضوره بالجدل على المدى الطويل وقراءة النتائج في المجتمع عبر التجربة والمراهنة على خبرة الحياة، ترى أين كل ذلك في موقع أبله مثل فيسبوك؟ حجّم كل شيء، ولوّث الكون “ببساطة” اختراقه لخصوصية الناس، شجع على القتل المباشر عبر الصفحات الوهمية التي لن توفر مكوناً نفسياً إلا وتنتهك كينوته وجوهره الوجدي عبر “تحقيره” و “تبسيطه” إلى درجة التسطيح والتسفيه وتسليم الرقبة للعنة الشاب الخجول الذي ترجم انتقامه من الفشل الاجتماعي بصناعة موقع يجعل الآخر في سحيق تجربته التي من حقنا رفضها بوصفها تجارة للذائقة والثقافة المجتمعية وقيادة مبطنة لعقولنا نحو ما تريده أميركا من سيطرة على حياتنا.
مدير التحرير