فؤاد ديب |
“هم ليسوا أفضل منا ولكن امكانياتهم كبيرة جداً” يقول الطبيب السوري، تدخل الممرضة والطبيب الذي فهمت من حديثه مع مريض آخر أنه من روسيا وهناك طبيبين عربيين والذي أجرى لي العملية هو طبيب من إيران والذي دخل ليجري استشارة تخديرية إفريقي.. هذا المجتمع الذي رأيته في المشفى هو المجتمع الأوروبي الذي فتح أبوابه للجميع بهذه الإمكانيات الضخمة التي جيرت لخدمة المجتمع الأوروبي ولم تصب الشخصية الاوروبية بأي خلل لأنها محصنة تماماً بكل ما يجعلها غير قابله للذوبان بل على العكس فهي تستقبل الجميع وتقوم بهضمهم ودمجهم في مجتمعها المنتج أو المادي الاستهلاكي كما نحب أن نتفلسف، لكننا وفي مجتمعنا اللامادي واللااستهلاكي ماذا نجد؟
نجد أن كل ما يمكن أن يخدم المجتمع ويجعله قابلاً للحياة والاستمرارية منتهك ومسروق من قبل الجميع ومن قبل حفنه من اللصوص ومن الطبقة الفاسدة التي نشأت في ظل منظومة مفسدة كي تبقى ممسكة بهذا المجتمع عبر منظومة فاسدة لا تجرؤ أن تقف في وجهها كي تقول لا وهكذا، وعبر سنوات طويلة من الإفساد طغت على المجتمع ثقافة معكوسة تماماً بسبب غياب ثقافة المحاسبة وغياب ثقافة التغيير المستمر في جميع مراكز هذه المنظومة وتحولها إلى جمهوريليكية في كل شيء.
فالفنان أبناؤه لا بد أن يكونوا فنانين والمحامي ولده محامي والرئيس ولده رئيس وهكذا في دائرة جهنمية من الوراثة في كل شيء، وطبعاً هنا لابد للص أن يكون ولده لصاً على نفس المبدأ ولا استثناءات إلا ما ندر وهكذا نشأت المنظومة المكتسبة لامتيازاتها عبر سنوات طويلة من التكرار المشوه للمجتمع فوراثة ثقافة هذا من حقي وهذا اكتسبناه عبر أجيال وثقافة “حلال ع الشاطر” ورثها المجتمع بكل مكوناته فلا هو قادر على معالجة نفسه ولا هو قادر على الاستمرار بهذه الجينات المتوارثة التي تنقل الأمراض من جيل إلى جيل، حتى من اعتقدنا أنه تمرد على هذه المنظومة اكتشفنا أنه جاء بهذه الأمراض إلى الطرف الذي انتقل إليه فاسداً ومفسداً فسنوات طويلة من ثقافة حلال على الشاطر لن تنتهي بمجرد الانتقال من مقلب إلى مقلب فشبكة المصالح الناشئة لابد لها أن تلتقي في لحظة ما بشبكة المصالح القديمة كي تقوم بوأد كل ما يمكن أن يكون المجتمع قد اكتسبه في فترة ما فكل من كان جزء من الماضي بكل تبعاته هو تاجر طريق سيقوم بالموازنة في لحظة ما بين مصالحه وما بين الصالح العام وسترجح كفة مصالحه فما تعلمه وما ورثه منذ عقود وتداورت عليه أجيال وأجيال وهو مبدأ ( حلال ع الشاطر).
رحم الله جدتي وكانت كما كل جداتنا يحفظن الأمثال جميعها حين قالت مثلاً ما زال يحفر في ذاكرتي … (الإمارة والتجارة ما تزبط) وكلهم تجار يا صديقي!
شاعر فلسطيني سوري – ألمانيا | خاص موقع قلم رصاص