مناهل السهوي |
كان عندنا مجنون في القرية، يقضي يومهُ يمشي في الطرقات، كان كلما مشى بضع خطواتٍ للأمام عاد للخلف خمس خطوات وخاطب رفاقه الذين لا يراهم سواه، هكذا كان يومه يمضي دون أن يقطع شارعاً واحداً، ليصير نحيلاً وهزيلاً بصورة لا تصدق فهو غالباً لا يصل المنزل لأيام وكنت تستطيع رؤيته في ذات المكان لأسبوع كامل.
أليسَ ذلك شبيهاً بواقعنا اليوم! ألسنا المجنونَ صاحبَ الخمسِ خطوات، ثقافتنا، سياستنا، أدياننا، إنسانيتنا كلها بخمس خطوات، نروح ونجيء بها، والكلّ يشاهدنا في ذات الشارع نحيلين، بثياب متسخة، وبجلد محترق، لنبرر ذلك بأصحابنا اللذين نعود لنتشاجر معهم بعد كل خمس خطوات، أصحابنا اللذين لا يراهم سوانا!
إن أردنا تذكر من اغتيلوا على مرّ العقود القليلة الماضية ستكون بلا شكّ أرقام مرعبة، آخرها (ناهض حتر) الكاتب والصحفي الأردني، الذي اغتيل بالأمس أمام قصر العدل، فنحن غالباً نرفق اغتيالاتنا برسائل واضحة تشكل عمق تفكيرنا، كرسالة الأمس “سنغتال كل من يخالفنا الفكر على مرأى من العدالة ذاتها”، اغتيال ناهض حتر لم يكن الخمس خطوات التي رجع بها المجنون للخلف، إنما المسافة التي نقف فيها عاجزين عن التقدم أو التراجع، المسافة التي تقول: نحن من سلالة قابيل الذي اغتال هابيل ليكون الأقوى، نحن من سلالة من يقطعون الرؤوس والأفكار التي لا توافقهم، نحن من نقطع الرؤوس حتى لو بعد حين، لذلك وبكل فخر اغتلنا أبو العلاء المعري وقطعنا رأسه، نحن الذين نغتال هيباتيا القوية داخل كل امرأة، ونجرها عارية في شوارع مدننا ، ونذهب بعدها لذبح عصماء بنت مروان، ونشنق الحلّاج لأنه أحب الله وقال (ما في بجعبتي إلا الله)، نحن المجنون صاحب الخطوات الخمس.
شاعرة سورية | خاص موقع قلم رصاص