الرئيسية » مبراة » اغتيال اليسار!

اغتيال اليسار!

“أخجل لأنني لستُ شهيداً، وأخجل أن حبري يسيل لا دمي”، هذه الكلمات كتبها الكاتب الأردني اليساري الراحل ناهض حتر يوماً ما في إحدى مقالاته، وتحققت رغبته أخيراً يوم أمس وسال دمه شهيداً، ولا بدَّ أن أعترف هنا أنني لم أكن أتفق مع ما كان يكتبه الأستاذ ناهض في جريدة الأخبار اللبنانية التي أعمل لها، ولم يكن يستهويني تحليله وأسلوبه الذي كنت أرى فيه تصلب البعثيين ولغتهم الخشبية، لكن التضامن معه بعد اعتقاله الشهر الماضي كان واجباً يفرضه إصرارنا على أن حرية التعبير حق مقدس لكل إنسان، لكن كل ذلك التضامن لم يكن كافياً لحقن دماء حتر، وانتصرت الأصوات الراديكالية المطالبة بقتله وإهدار دمه.

إلا أن حتر لم يُقتل من أجل رسم الكاريكاتير الذي نشره على صفحته الافتراضية في الفيسبوك، رغم قيام السلطات الأردنية باعتقاله بذريعة نشر ذلك الرسم، ثم أجبروه على حذف الصورة والاعتذار وإصدار بيان يوضح فيه قصده الحقيقي من النشر، إلا أن ذلك كله ليس مُفيداً ولم يشفع له, فقرار تصفيته كان قد صدر منذ زمن بعيد، وكان صاحب القرار يبحث عن ذريعة ومبرر لتصفيته دون أن يؤلب الرأي العام عليه، بعد أن كان قد نجا من عملية اغتيال في عام 1998.

الثائرون لله، اغتالوا ناهض حتر بكل دم بارد وذهب دمه هدراً فلا يوجد من يثأر له، ولن يرتدي المليك الأردني بزته العسكرية ويمتطي صهوة طيارته ليحلق فوق سماء الأردن وتزغرد له النساء فناهض حتر ليس ابناً لكبرى العشائر الأردنية التي يخشاها النظام الملكي ويطلب ودها، بل هو حمل وانزاح عن كاهله، وكان الكاتب الراحل يعلم أن يهوذا يتربص به وأنه يتحين الفرصة المناسبة كي يسوقه إلى قدره الحتمي لكنه رغم ذلك بقي حتى اللحظة الأخيرة يدافع عن بقايا اليسار العروبي القومي في مملكة الخيانة في ظل نظام من المعروف عنه جبنه وتبعيته وخنوعه.

وتبقى مسألة اغتيال الفكر الحر والرأي الآخر في العالم العربي سمة بارزة رسختها وأباحتها الأنظمة السياسية في مجتمعاتنا في مختلف المراحل التاريخية وعلى اختلاف أشكال وأساليب حكم تلك الأنظمة، وهذا ما لست أدعيه إنما يمكن لأي مهتم أن يراجع التاريخ بصورة سريعة ولن يضطر أن يغوص فيه حتى تفوح رائحة الدم، فنهر دجلة تلون بالسواد بسبب الحبر مرة واحدة في تاريخ البشرية الذي وصلنا، لكنه تلون باللون الأحمر عشرات المرات بسبب الدماء. وأي دماء؟ دماء العرب والمسلمين الذين لم يكلفوا أحداً عناء قتلهم إنما تولوا تلك المهمة بأنفسهم.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …