دعد ديب |
منذ البداية افتتح المخرج الايرلندي ليني ابراهامسون أبواب الفن السابع بتصدره (3 Joes) للجوائز العالمية حيث نال فيلمه الأول جائزة أحسن فيلم اوربي قصير لعام 1991 لتتالى أعماله الفنية تباعا لتتربع على صدارة المشهد السينمائي مرة في قلوب متابعيه ومرة في ترشيحه
(room ) وليس آخرها -الغرفة الفيلم الحائز على جائزة الجماهير لعام 2015 المأخوذة عن رواية الايرلندية إيما دونوغ بالعنوان نفسه درجا على الأعمال الكبيرة التي حولت إلى السينما بتقنيات متعددة …معيدة إلى الأذهان الانتقاد الدائم حول مشروعية تحويل العمل الروائي إلى فيلم تتجسد شخوصه بشكل يفقد العمل الروائي ترك آثاره التخيلية ومناخ التورية والتأويل لدى قارئه لصالح المشهد المصنع بالصوت والصورة.
الغرفة التي جسدت فضاء العمل بجزئه الأول كانت هي العالم الحي النابض للطفل جاك /يعقوب تريمبلاي / العالم الذي ألفه واعتاد عليه مذ ولادته حيث تبدو أشياء الغرفة بمثابة أرواح حية يبدؤها بصباحه – صباح الخير أيتها الغرفة – صباح الخير أيها التلفاز – صباح الخير أيتها الخزانة وهو بذلك لايشكو نقصا عن مرئيات وعوالم لم يرها إنما يتآلف مع كائنات شيئية صاغتها حكايا أمه ورواياتها لدرجة يعتبر شعره الطويل معيار لقوته تيمناً باسطورة شمشون الجبار …كصورة مجازية للبنية النفسية لدواخل الطفل …هذه القوة التي يتخلى عنها لاحقاً كي ينقذ أمه من مرضها حيث الاحتفاظ بجزء مادي من الآخر سيالة لتمرير الشعور العالي به,
بجهد بالغ دأبت الأم جوي (بري لارسون ) بالعمل على انسجام توازنه النفسي مع المحيط الضيق الذي بدا عالماً رحبا بالتقنية الماهرة للكاميرا التصويرية التي برعت بالتقاط المكان من أكثر من زاوية لتوحي بتعددية شعور الطفل فالعالم الضيق يتسع باتساع الحب بين الأم والطفل يأخذه المخرج ببراعة بتصوير الغرفة –العالم من زوايا متعددة لتوحي بالفضاء المفتوح بين كائنين وجدا على هذا النحو…. الأمر الذي كان مختلفاً لدى الأم جوي التي خبرت العالم الحقيقي سابقاً إذ غلفت الكآبة والضيق تعابير وجهها لنعرف منها حكاية اختطافها واغتصابها منذ سبعة أعوام ووجودها في هذا الحيز المعتم ترويه لابنها عند بلوغه الخامسة من عمره لنسج خطة للهروب ..تحيلنا للجزء الثاني من العمل خارج الغرفة حيث تذهلنا براعة الأداء لدى الطفل جاك الذي يقابل العالم الجديد لأول مرة فارتعاشة فتح عينيه في شاحنة الفرار تحاكي الولوج إلى عالم جديد ومجهول لذا تراه ينطوي على نفسه مختبئاً من حدة ازدحام المؤثرات الطارئة على مداركه الحسية وذهوله حيالها لدرجة ينسى الخطة والكلام المتفق عليه …ليعاود شعوره بالحنين إلى الغرفة التي شكلت ملامح وعيه لعالمه الفطري ليفاجىء باغترابه عنها ببابها المفتوح وتقلصها عند معاودة زيارتها بعيد دخوله العالم الحقيقي .
الأم التي كبتت ردود أفعالها طيلة فترة احتجازها أطلقت العنان لعصابها الكامن والمقموع …عبر عنه بعسر في التعاطي مع الحياة الطبيعية ومحي آثار الامتهان للإنساني في داخلها
يغفل الفيلم كلياً عن الإشارة الى مسوغات استمرار الاحتجاز بالنسبة للخاطف ..العجوز نيك ..كما أطلق عليه و تبيان مبرراته النفسية رغم أزمته المادية المتصاعدة … واقتصر على الحوار الوجودي للمدارك الأولى التي
يتلقاها الفرد لصياغة وعيه وفهمه للوجود وقدرة الإنسان على التكيف واجتراح ثوابت للبقاء والاستمرارية ….كان عنوانها الدافىء المحبة بين الأم وابنها التي جعلت المكان الضيق فضاءاً برحاً من الأحاسيس الملونة والاكتشافات المعرفية الجنينيةحيث يتسع المكان بوجود من نحب ..كفعل حياة مقاوم بوجه مستلبي الحرية.
كاتبة وناقدة سورية | خاص موقع قلم رصاص