الرئيسية » رصاص ناعم » رواية «نفق الذلّ»: من سرير السلطة إلى أحضان المعارضة!

رواية «نفق الذلّ»: من سرير السلطة إلى أحضان المعارضة!

ساندي إبراهيم  |  

اتخذت السورية سميرة المسالمة من الحب والجنس مدخلاً للولوج إلى روايتها الأولى «نفق الذلّ» الصادرة في بيروت عن منشورات ضفاف.

تبدأ سردها بقصة حب تجمع بين عماد، طالب طب يساري من أصول ريفية، بزميلته منى، وهي ابنة ضابط أمن كبير في الدولة، يدفع عماد ثمن حبه وعشقه سنوات طويلة في المعتقل، إذ تختطفه سيارة سوداء بينما يسير مع حبيبته منى ويختفي بعدها ولا يبقى منه سوى طفل غير شرعي زرعه في رحم حبيبته في إحدى خلواتهم.

بكت منى كثيراً فقد عماد، لم يكن أمامها خيار سوى أن تخبر أمها بالروح التي في احشائها، وتنهي الأم المسألة ـ وفق خبرتها الطويلة ـ بزيارة سريعة إلى طبيب باريسي لقطب الشرف الذي استباحه عماد مع الاحتفاظ بالجنين.

دموع منى لم تشفع لها عند والدها الذي سارع لتزويجها أو مقايضتها إن صح التعبير مع أمجد ابن صديقه التاجر الكبير وفق صفقة مشبوهة فور عودتها من باريس.

كان سعي المسالمة عبر روايتها الأولى واضحاً منذ بداية الحدث الذي اختارته مدخلاً لروايتها لتوصيف الواقع الذي عايشته هي لعقود طويلة، ولم تعايشه فقط إنما كانت جزءاً لا يتجزأ منه، فالسلطة الأمنية التي تحاول إدانتها عبر السرد وتوصيف حالة الفساد المستشري في المجتمع السوري ودور القبضة الأمنية في تقييد الحريات وكم الأفواه ومنع المواطن من ممارسة أبسط حقوقه، كحقه في الحياة والحب، هي ذاتها التي أوصلتها لمنصبها الذي كانت تشغله.

إلا أنها تجاهلت أن الفتيات السوريات لسن كلهن منى، والشباب السوريون ليسوا كلهم عماد. وفي ذلك تشويه للواقع السوري كلية عبر رسم علاقات غير منطقية بين الشخصيات منذ بداية السرد إلى نهايته، وهذا ما أفشل الموضوعية السردية في الرواية وجاءت منحازة بشكل واضح عبر تصوير حقائق غير واقعية في بعض المواقع، وهذه إحدى الهنات في عمل أخذت كاتبته على عاتقها توثيق الواقع الذي عايشته، من خلاله، وكانت جزءاً منه لفترة طويلة.

عماد الذي كان طالباً معارضاً في بداية السرد يتم اعتقاله ويتعرض للتعذيب والتعنيف والاغتصاب، ثم يصبح في أجزاء لاحقة ضابطاً برتبة عالية، إلى أن يتسلم مكان والد منى الضابط الذي اعتقله من قبل وأصبح اليوم خارج الخدمة.

غيث، الطفل الذي وضعته منى أصبح شاباً وخرج يشارك في المظاهرات الاحتجاجية التي بدأت في سورية، ويعتقله عناصر الأمن ويصبح سجيناً عند والده الحقيقي ويتعرض أيضاً للتعذيب والاغتصاب ثم يُقتل في المعتقل في اللحظة التي تكون والدته منى قد وصلت إلى أبيه الذي تكتشف أنه عماد حبيبها الذي اختفى قبل سنوات ولم تعلم عنه شيئاً، وتحت هول الصدمة تخبره أن الشاب الذي اعتقله هو ثمرة حبهم، هو الطفل غير الشرعي لهما، ليكتشف عماد أن الشاب الذي مارس عليه شتى أنواع التعذيب إلى أن قتله كان ابنه. وهنا تُعيد المسالمة بطل روايتها إلى الموقف الإنساني الأول حين كان عاشقاً حالماً ثم أخذته نحو السلطة الباطشة القاهرة حين حولته من معتقل معارض إلى مسؤول أمني كبير.

عبرت سميرة بالطفل غير الشرعي عن عدم شرعية ما يحدث في سورية، ربما تعبيرها جاء سهواً بحيث إنها أصبحت ترى أن كل ما حل في سورية من خراب ودمار هو شرعي من أجل الإطاحة بالسلطة وهو النفق الذي مرت عبره سميرة ذات يوم في رحلتها إلى رئاسة تحرير صحيفة تشرين.

أما منى الرقيقة المحبة الحالمة فهي ليست سوى سورية الوطن التي تقضي عليها سلطة الأب الأمنية من أجل مصالح شخصية وضيقة.

لم تهمل الصحفية سميرة المسالمة نفسها وسيرتها الشخصية فتسردها عبر شخصية الصحفية سلام التي تعمل في إحدى الصحف الحكومية وتتدرج بالمواقع حتى تصبح على رأس هرم تلك الصحيفة وفق معادلة التنازلات التي كانت تقدمها أصبح وصولها أكثر يسراً وسهولة، وهي بذلك لم تنسَ أنها كانت لفترة قريبة جزءاً لا يتجزأ من هذه السلطة، ولم تكن لتصل إلى منصبها سوى بمرورها في هذا النفق نفق السلطة الذي اسمته هي “نفق الذل”، رغم أنها كانت تنعم بخيراته ونعمه، ومكتسباتها من تلك السلطة لا تعد ولا تحصى مع جرعة زائدة من الفساد الذي تحدثت عنه، ثم طلقها زوجها بعد أن غضبت عليها السلطة الأمنية وتم إقالتها لإنحيازها للمتظاهرين والمحتجين على تلك السلطة، والتحاقها بصفوف المعارضين خارج البلاد. وهنا يتجلى أيضاً تعمد تغييب صوت النموذج الوطني ومحاولة السورية وتداعياتها الأساسية من خلال تجاوز السرد هذه الأنماط الموجودة على أرض الواقع، والتركيز على إظهار كل ما هو قبيح لهدف سياسي ونفسي يسيطر على الصوت السردي.

كما جاء البناء السردي في أغلب فصول الرواية بلغة قاربت التعبير الإنشائي أكثر منها إلى اللغة الأدبية الروائية الرصينة المُحكمة، وهذا ما جعل النص هشاً في كثير من المواقع، ورغم أن الفساد الذي تحدثت عنه في عوالم الصحافة والفن والاقتصاد هو واقعي أكثر من قصة الحب تلك فإنها لم تفلح في إنجاز سردية حقيقية تخايل الواقع، وبما أن المسالمة اتخذت من الواقع منطلقاً لروايتها فإن مخيلتها السردية كانت ضيقة جداً ومتأثرة بشكل واضح بالهدف الرئيس للكاتبة فكان الضعف هو الثيمة الأساسية للسرد.

 شاعرة سورية  | خاص مجلة قلم رصاص

 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …