فؤاد ديب |
في كلّ أم آذار..
فمن يتهم أمه بالربيع حاد عن جادة مقلتها المعتادة، الشتاء، ومن يسلك دربا لم ترسم أمه خريطته، ضاع فوق جسور الأحاديث العابرة فوق أنهار بعيدة في بلاد باردة، فالغريب لا يغسل وجهه من ماء نهر مرتين كي لا يحفن وجه غريب آخر خطأ وقد علق بحصى النهر المدببه فلا تعرفه أمه إن عاد قبل ملحها… فملح جدته وقد عمدته به حين بشّرتها القابلة بصبي ما زال يابساً في روحه… حين وضعت ملحاً في الوعاء قالت: “هذا الولد، ولد غريبا ويعيش غريبا ويموت غريب”.
وحين خرجت لأمر في نفسها قالت أمي “أكثروا من الملح أكثروا منه… فالملح يفسد نبوءة الجدات…” وكم من غريب أعاده ملحه… لكن أمي بكت، فملح العين دليلها وفي النفاس لا يخطأ حدس أم وجدتي التي خرجت لأمر في نفسها خرجت كي تبكي حفيدها الغريب سلفا….
يمّا …..
جدتي…..
“ماما هيله”
رائحة القهوة المرة ورثت نبوءتها عن أمها وكان لها كرامات فهي تشفى الأبرص وتعيد الجلد إلى حالته الأولى بعد الحزازة وتعيد صوت المبحوح وفي نبوءاتها الأخيرة لعنت المذبوح في بلغاريا، فقد كانت تقول سيأتي يوم (المذبوح فيه يذبح الدخيل على بيته وكنا نقول (خراريف)عجوز وتتبعه بمثل دود الخل منه وفيه)… ومن كراماتها أنها اشترت بندقية لجدي كي يقتل يهودياً غازياً فملح البارود أصدق الملح نبؤة…
خرجت تحمل هجرتها في جيب أبي حين تلقفها المخيم من أرض النبؤات …
يمّا….
حين قلت في احتضارك أن الثلج اليوم كثير، ابتسمنا لأن الشمس كانت ساطعة… ولكن حين وهبت عمرك للسماء وبعد ساعتين عرفنا أن آخر نبوءاتك كانت الثلج، فهل سيفسد ملح أمي الكثير نبوءتك بموتي غريبا…؟ جدتي لا تخطأ وملح أمي يحارب… وهذا عمري بين ملح ونبوءتين.. بين جدتي وكنتها (أمي) حرب بين امرأتين على ولد ضاقت به الأرض حتى اختنق…! فداعبي يا أمي أصيص الحبق كي يرعاني ملحك في اغترابي… لن أنسى أنك نثرت الأرز فوق رأسي حين أفرجوا عني، لكني انتبهت أنك ودون أن تنتبهي وضعت الملح معه… ونثرته فوق رأسي كأنك ما زلت خائفة أن تتحقق نبوءة جدتي وأموت غريباً… فهل يعيدني ملحك…؟
شاعر وصحفي فلسطيني سوري ـ ألمانيا | خاص موقع قلم رصاص