الرئيسية » رصاص حي » سورية ومتلازمة الحزن العربي (2)

سورية ومتلازمة الحزن العربي (2)

عاصف الخالدي  |  

الحرب، ذلك الكائن الخرافي كما وصفه خوسيه ساراماغو، والذي لا يموت، والذي لو قبضنا عليه، فإننا نخبؤه في كتب التاريخ، أو في قصص الأطفال، ليظل خرافياً، ومتوحشاً.

انتهيت في الجزء الأول من هذا المقال بالحديث عما تعلمته في سوريا من أن الموت صار سيد الأحكام، وأن أطرافاً متعددة تلوح بالموت كحل أوحد لكسب الصراع، الذي بعد كل هذا التجريف المستمر منذ بضع سنين، لم يعد صراعاً على وطن، بل صار يبدو صراعاً على مصالح، لا مكان فيها للإنسان السوري ومستقبله، لأن أبسط مفاهيم الدولة والوطن تتمثل في مبدأ الحماية، والذي يعني حماية المواطنين أيا كانت انتماءاتهم وطوائفهم وإلخ، وتقديم منظومة أمنية لهم، تسمح لهم بالاختلاف والأمن دون أن تقوم بإقصائهم أو استخدامهم كضحايا مادية  لشعارات وهمية وورقة ضغط لفرض السيطرة أثناء الصراع. لكن موضوعة الأمن العربي تجلت وطوال عقود في فرض السيطرة العسكرية، وخلق الوحش الداخلي أو الخارجي، لإبقاء السلطة في حالة سيطرة وكسب. وظل الاهتمام بمفهوم الأمن المبني على الوعي فكرة مفقودة.

 إن تربية الوحوش، وصناعة التفرقة بين جماعات مختلفة عرقياً وطائفياً وفكرياً، ظلت فكرة متبناة في الشرق لزمن طويل، لأنها تفتت مفهوم الشعب القادر على تحصيل حقوقه والتأثير بقوة لفرض حقوقه هذه على السلطة مجبراً إياها على تحقيقها وبالتالي تحقيق مبادئ الدولة الحديثة كتبادل السلطة والتعهد بحماية الشعب وضمان تطوره. في سوريا، لم يكن مضموناً أن يصير السوري عدواً للسوري، بالمعنى الطائفي المرجو، لذا، تم فتح الحدود، وتدفق (الأحرار) من كل مكان، وبُدءَ بإعادة شرح لدرس الحرية القديم،  حيث الحرية وإن كانت لا تطاق، وإن كانت تتطلب تحويل الوطن إلى مشرحة، فلا بد بكل حال من اقترانها بالدم، وبالتضحية بالإنسان والمكان، والقيام بتجريف شامل، وإبقاء حالة الإقصاء والقتل والتصنيف قائمة، حتى إذا انتهى كل شيء ذات يوم، وصحت الحرية من سباتها، فلن تجد من يحملها!.

 أرى مليون طريقة للموت، ولا أرى طريقة واحدة للحياة، أرى أن فكرة السلطة العربية التي توضحت في سوريا، هي فكرة وجود أو عدم، كأن السلطة دين، لا يقبل الشك!. فيما على الطرف الآخر، يمتهن المسلحون الطائفيون ذات الوظيفة، ولا يتم تبادل الشعب بين الطرفين، إلا كضحية!.

من طرف آخر، ثالث، ورابع، وخامس ربما… توجد منظومة الإعلام العربي، بقنواتها المتلفزة وصحفها ومثقفيها وصحفييها، والتي انقسمت إلى قسمين، قسم يحصي الضحايا والدمار ويندب، وأقسام أخرى، تكتب وتعرض وتصور. وقد عملت هذه الأقسام حتى اليوم، في إطار تبريري، إما لمصلحة من يجد في الحرب مادة لكتاباته ونشراته الإخبارية، ضامناً حالة من الإقبال والمتابعة، وهذا جانب، وجانب آخر يتم من خلاله توظيف كل ما يحصل وصبه في صالح طرف أو جهة ما. هذا على أنني ومنذ نهاية العام الأول للحرب، لم أعد أسمع صوت الشعب السوري كفاعل ومؤثر إلا من خلال دور الضحية، والأهم وخلال سنوات خمس أني لم أسمع مطالبة واضحة من منظومتنا الإعلامية العربية بإيقاف الحرب. بل إن جهود محلليها ومفكريها السياسيين وأئمتها الدينيين، أخذت تبرر وتمدد وتخترع ولو من العدم، حججاً وشواهد على أن النفس الثوري، لم يزل حياً، وأن مزيداً من التدمير والتهجير والقتل، كلها ممكنة، ويمكن للفكر الأيديولوجي والطائفي والمصلحي سواء من دول الخارج أو دول عظمى، أن يحتويها، ويفرز لها منظومات فكرية  وتكتلات ثقافية وإعلامية تدافع عنها، كأن الدفاع عن الموت، مهمة عربية بامتياز!!.

روائي ومترجم من الأردن  | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

هل زعزعت وسائل التواصل مكانة الكتاب المقروء أم عززتها؟

صارت التكنولوجيا الجديدة ووسائل التواصل، تيك توك، يوتيوب، فيس بوك وغيرها مصدرا رئيسيا للمعلومات والأخبار …