صالح نفسك |
وطن طفلة من مدينة الرقة خرجت منذ فترة برفقة والديها في رحلة لجوء جديدة، والدها يسرد تفاصيل الرحلة لموقع قلم رصاص.
انطلقت بنا السيارة لتبدأ رحتنا الطويلة كانت السيارة (فكسة) خضراء.
تعليمات بسيطة أملاها علينا سائق (الفكسة). كان ملخصها أنه في حال أوقفنا حاجز هو سيتولى الكلام، وأنه في حال سألنا أحدهم؟
نقول له نحن ذاهبون إلى مدينة الطبقة.
وصلنا إلى حاجز الفروسية لم نرَ أحد ولم يوقفنا أحد وقد يعود ذلك إلى تصادف مرورنا مع آذان الفجر، وكذلك مررنا من حاجز سد الفرات دون أن نرى أحد، شعور لا أعرف ماهيته ولكني أشعر به كلما مررت فوق سد الفرات أشعر بجرعة كبيرة من الوطنية والاعتزاز والقشعريرة.
وصلنا إلى قرية قريبة من الطبقة نزلنا في بيت ريفي بسيط اعتقد أنه كان مخصص للانتظار حسب ما أخبرنا السائق وكانوا يسمونه استراحة الركاب حسب ما أخبرني السائق لاحقاً.
دام أنتظارنا لساعات وكلما سألنا عن سبب التأخير. كان الجواب إنهم بانتظار تأمين الطريق. أي إنهم ينتظرون الـ(ok)على حد تعبير( أبو رحاب) وهو كما بدا لي كبير المجموعة المسؤولة عن تهريبنا ومن طريقة كلامه ومعاملته أقل ما يقال عنه أنه شخص خسيس متعجرف.
بعد انتظار حوالي 8 ساعات جاءت الـ (ok) وطلب منا الخروج وصعود السيارة. وهنا كانت الصدمة الأولى لنا. كانت الوعود بأن نسافر في فان حسب المهرب. ولكن السيارة التي طلب منا الصعود إليها هي عبارة عن شاحنة صغير أو ما نسميه نحن (حصنية). وهذه السيارة كانت مخصصة بالعادة لنقل الأغنام، ترددنا قليلاً قبل الصعود وعلّق المهرب الخسيس ذاته ( اللي مو عاجبو لايركب).
لم يكن هناك خيار آخر وخاصة بعد ما عانيناه من صعوبات للعثور على مهرب لم يتراجع أحد وصعدت كل المجموعة، كان عددنا في السيارة حوالي 30 شخص عائلتان من الرقة وعائلة من دير الزور. والباقي كانوا عراقيين شباب ومعهم ثلاث نساء. وحسب ماعلمت منهم لاحقاً أنهم تركمان من تلعفر.
انطلقت السيارة بعد أن أعاد علينا أبو رحاب تعليماته بلهجة حقيرة (محدا يتكلم خالص بالطريق ولانفس وخاصة إذا وقفت السيارة. ومحدا يوقف والأولاد الصغار إسقوهم المنوم).
كانت وطن لا تزال مستيقظة ولم يظهر عليها مفعول المنوم، أغلب المسافة قطعناها على طرق ترابية تجنباً للحواجز كانت الطريق كلما تقدمنا تزداد صعوبة والحرارة تشتد، وخاصة مع ارتفاع حرارة الحديد في صندوق السيارة حيث نجلس، إضافة للغبار الشديد أكثر ما كان يهمني أن وطن نامت لتستريح من هذا العذاب.
مددت وطن على قدمي كي أعزلها عن حرارة الحديد واستندت أم وطن على كتفي وكلما شرب أحدهم الماء ألح عليها أن تفطر وتشرب الماء وهي ترد دا ئماً بنفس العبارة: “اليوم اخر يوم برمضان نتحمل شوي”.
طال الطريق علينا واشتد تعبنا وعطشنا. بعد مسير ساعتين تقريباً توقفت السيارة فجأة أحد الشباب بدأ بالإشارة إلينا بيده بالصمت التام لأنه رأى من خلال شق ضيق في السيارة أننا نقف على حاجز، صمت الجميع وسدت الأمهات أفواه الأطفال وحتى أنا وضعت يدي على فم وطن رغم أنها نائمة منذ فترة دام الأمر حوالي عشر دقائق كانت مرعبة وثقيلة علينا لكن الأمر انتهى على خير وانطلقنا من جديد.
جالت في خاطري أفكار كثيرة أثناء رحلتنا المشؤومة وتذكرت قصة رجال الشمس لغسان كنفاني، وأيضاً الشاحنة التي مات فيها لاجئون سوريون في أوربا، ولكن الإيجابي في حالتنا أن السقف مفتوح ويمكننا الخروج لو أردنا بعد حوالي 6 ساعات من العذاب توقفت السيارة مرة أخرى كادت أن تتوقف قلوبنا صمت الجميع ولو أمكننا قطع النفس لقطعناه لشدة الخوف والترقب. دام الامر حوالي خمس دقائق وكأنه خمس سنوات على حد تعبير أم وطن.
فجأة صعد شخص إلى صندوق الشاحنة كان السائق، عرفت أننا وصلنا إلى نقطة آمنة حين رأيت سيجارته أخبرنا أننا قد وصلنا إلى القرية المقصودة وسنواصل سيراًعلى الأقدام كنا نظن أننا قطعنا الجزء الأصعب من الرحلة ولم نكن نعرف أن ذلك لا يقارن بما سنلاقيه من أهوال لاحقاً.
خاص موقع قلم رصاص