أحمد كرحوت |
هناك عبارة قديمة تقول: “الجمهور دائماً على خطأ”، ما يعني أن النخبة تقوم بشكل روتيني على تصحيح هذا الخطأ فأغلبية الأفكار الساذجة والخرافية والسطحية إن لم تكن كلها خرجت من فعل الجمهور بعيداً عن تأثير المفكرين، لهذا وإن اعتمدنا التقسيم الكوسمولوجي على البشر بغض النظر عن باقي التقسيمات الاتنولوجية والعرقية والدينية وغيرها من التقسيمات التي تتخذ المعيارية والمتغيرات الكمية والكيفية فإن البشر ينقسمون حسب هذا الفصل الشامل إلى قسمين رئيسيين هما: النخبة والجمهور، ولكل طرف آرائه ومعتقداته إلا أن الفارق الأكبر بينهما هو أن النخبة والتي تعني صفوة المجتمع وخيرتها من أهم مقوماتها أن تكون طاغية كيفياً على الكمية وهي القسم الأكبر والتي هي التابعين، بمعنى أن التابع هو عبارة عن أداة يسيرها المتبوع ويضفي ما شاء من أفكار في عقول العامة شرط أن يكون على مستوى عال من الثقافة والمعرفة والعلم أو الموهبة والفطرة على أقل تقدير من فلاسفة وشعراء وكتاب وروائيين وقاصين ورسامين ونحاتين, إلى هنا كان هذا المتفق عليه على مر التاريخ إلا أن ما يحدث مؤخراً وخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي فيمكن لأي شخص لا يعرف النقطة من الفاصلة أن يقدم نفسه كنخبوي بما أن المعيار ليس أكثر من لايك أو مشاهدة، فمثلاً “اليوتيوبر” أصبح أكثر أهمية من السينمائي و”الناشر الفيسبوكي” صار أكثر أهمية من الكاتب والفيلسوف والـ”بوست” صار أهم من الكتاب وثقافة العناوين جعلت من جميع مرتادي الشبكات نخبة في نظر أنفسهم ومتابعيهم على اختلاف أعدادهم, والجمهور الذي كان في كل مراحل التاريخ مسير خلف أشخاص مختارين من صفوة المجتمع أصبح الحجر الأساس وإرضائه من أهم مقومات نجاح الكاتب أو الفنان، المعضلة الكبرى أن هؤلاء الأشخاص تحولوا إلى قاعدة تبنى عليها ركائز بذات المستوى الفكري فنحن نتحدث عن ظاهرات انتشرت بسبب سطحية المؤسسات الثقافية محلياً (كالحفل الذي قام في الأمس في فندق “الداما روز” برعاية وزارة السياحة السورية)، وقام بتكريم “يسر دولي” الاسم مسبوقاَ بلقب الشاعر الكبير في حين ذكر اسم نزار قباني مسبوقاً بكلمة الشاعر فقط متخذين من عدد اللايكات معياراً لنجاحه وإلا فلا سبب آخر تجعل من أمثال دولي يكرمون في مهرجانات وفعاليات ثقافية في حين يبقى كبار الشعراء من ذوي اللايكات المحدودة خارج إطار الثقافة المؤسساتية، أيضاً هناك أشخاص انتشروا بكثرة في الآونة الأخيرة على شبكات التواصل أمثال عبد الله الحاج والذي أتبع اسمه على صفحته الخاصة بعبارة ” ملك جمال سوريا والكوكب”، أما إقليمياً فلا ننسى أيضاً عمر سليمان الذي وقف على أهم مسارح العالم ونال تغطية من أهم صحف العالم في الغارديان ونيويورك تايمز في حين أن المواهب العظيمة تقف طابوراً أمام دار الأوبرا في دمشق بانتظار فرصة لإخراج ما في جعبتهم من فنون حقيقية.. باختصار نستخلص إلى سؤال أخير، من المسئول عن إظهار هؤلاء التبعات المتسرطنة إلى العلن على أنها الوجه الثقافي لسوريا في الحرب رغم أن ثقافات وآداب الحروب دائماً ما تميزت بعمقها وخلودها فتناقلتها الأجيال لتعكس صورة المكان وأهله حتى جعل من تلك المراحل مرآة موازية لكتب التاريخ إن لم تكن قد تفوقت عليها أيضاً، في حين يتم إقصاء من لهم باع طويل في الفن أو مواهب شابة حقيقية ؟!
إن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت لمكان تحتوي السطحية تحت مسمى المواكبة وثقافة الزمن الراهن, وعبارة (من يكتب لإرضاء الجمهور فهو محتال) تحولت إلى من يغرد خارج السرب أو من يكتب بعيداً عن رغبات الجمهور فهو تافه وغير مواكب للحداثة، فهل يقع اللوم كاملاً على الأشخاص أم على الجمهور الذي تبناه أم المؤسسات الثقافية التي روجت له ؟!!
شاعر سوري ـ الإمارات العربية | خاص موقع قلم رصاص