لم أشاهد النشرة الجوية منذ سنوات طويلة، ومذ اخترعوا “الفيسبوك” وفتحت هذه الصفحة لم أعد بحاجة إلى متابعة تلك النشرة التي لا أثق بها أساساً، لأني صرت ألم بأحوال الطقس من خلال “قصائد” شعراء الفيسبوك، وهذا المساء عرفت أن المطر قد نزل من خلال الصفحات المطروشة بـ”قصائد” تتغزل بالمطر والغيوم والليل وأرداف حبيبات حقيقيات وافتراضيات مشغولات بمحادثات أخرى على المسنجر ويبررن تأخرهن في الرد بسوء الشبكة.
لم يعد أحد يكتفي بالقول: “عم تشتي” أو “عم ينزل مطر” أو “بلشت تمطر”، تحول الطقس إلى “قصيدة” عصماء تتزامن مع تشكل الغيوم في طبقات الغلاف الجوي العليا إلى أن تصبح في بواليع الصرف الصحي. دورة أغلب “القصائد” الافتراضية التي يتحفنا بها أصحابها في كل حين لا تختلف عن دورة قطرة الماء التي تنتهي إلى بواليع الصرف الصحي، بل وتسحب بعض “القصائد” أصحابها معها وخلفهم قطيع افتراضي يُوزع ألقاباً مجانية يمنة ويسرة.
فيما مضى علق العرب عشرة قصائد من أجود القصائد التي قيلت آنذاك على حيطان الكعبة في مكة بعد أن كتبوها بماء الذهب، رغم أن العرب لم يكن لهم من صنعة حينذاك غير الغزو ونظم الشعر والصيد واللهو والنساء إلا أن أفضل نتاجهم تمثل بتلك المُعلقات في ذلك العصر، أما “قصائد” اليوم فتُعلق على حيطان الصفحات الافتراضية مخلفة ورائها أزمة حقيقية في الشكل والمضمون والأسلوب حتى بات كل من يرصف بضع كلمات تحت بعضها يُطلق عليه من قبل قطيعه لقب “شاعر” أو “شاعرة”، وفي حال كان بعض أفراد القطيع لديهم مدونات إلكترونية أو مواقع إلكترونية وفي بعض الأحيان حتى صحف ورقية فهم يبادرون الأنثى على الفور بطلب قصيدتها لنشرها في مدوناتهم أو مواقعهم أو صحفهم وبعضهم لا يستأذن صديقته الافتراضية إنما يحاول أن يعمل لها “سربرايز” على حد قوله، أي مفاجأة تسعدها وتطري الحديث بينهما في عتمة ليل المسنجر.
هذه الحال المتردية أضحت واقعاً حقيقياً ومأساوياً حتى الكتابة عنه تُشعرك بالإحباط، إذ أنك مهما بلغت جزالة معانيك ورصانة أسلوبك لن تتمكن من “فش خلقك” بما تراه وتطالعه كل لحظة في هذا العالم الذي نظنه افتراضياً إنما الحقيقة هي العكس فقد أصبح هو عالمنا الحقيقي دون أن نشعر أو نعي ذلك، وما حولنا في الحقيقة هو الافتراض وهذا ما سنعض أصابعنا ندماً عليه لكن بعد فوات الأوان.
مجلة قلم رصاص الثقافية