الرئيسية » رصاص حي » موتٌ مُعلَن!

موتٌ مُعلَن!

أحمد كرحوت  |

أعدائي القراء.. أيها الكتّاب والرسامون والنحاتون والرياضيون والنجارون والمكتبيون والفوالون وباعة الفجل والخس والجرجير على أرصفة الفحامة وعلى أبواب وكالات الأنباء الكاذبة، يا باعة الخبز اليابس على مفترقات بيت سحم، أيها الجواسيس وكتّاب التقارير السياسية بحق طلاب الجامعات الذين ما زالوا يهابون مستر تايمز بائع الصحف الشهير في كلية الآداب حتى بعد اختفائه غير المبرر منذ سنوات، ومنذ كان عدد المتاريس لا يتجاوز عدد أسطر صفحة من مطبوعات الهاشمية، أيها الأطباء العاقرون توقفوا عن معالجة العجز الجنسيّ، فالبلاد تتصدع وتتقسّم وأنتم ما تزالون تعملون على زيادة إنتاجية الأعضاء الذكرية وأطفال الأنابيب العجّز.

أيها الثوار والجنود الذين أغلقوا قلوبهم وأصمّوا آذانهم إلا عن صوت الرصاص والقصف والتفجيرات والشتم والسباب والهتافات السوفييتية وأناشيد اللطم وترانيم عجلات التويوتا المتزحلقة على أوتوستراد المزة ومداخل الأزبكية وتفحيط الدبابات على شارع بغداد اليتيم والمليء بمراكز بيع الخمور والتمور والنقابات والملابس الداخلية المفخخة.

اتركوا الأرض كما كانت، اتركوا الكراسي لأهلها واتركوا النجوم معلقة في السماء البنفسجية, دموع آلهة قتلتهم الأديان الجديدة، واتركوا محامص البن تطحن صباحاتنا الكئيبة كنساء يقلبن الأرض بحثاً عن قبلة رطبة بعد أن هجرهن الشباب إلى أحضان الأوروبيات البرتقاليات، فأنا أتفتت بعيداً عن وطني كصحن زجاجيّ سقط من يد الله فكانت المجرات والكواكب.

الأزهار عطشى على ضفاف الفرات وأفخاذ النساء جفت كرمل صحراوي وتحولت شفاه الصبايا لتربة غير صالحة لزراعة الشعر والنثر وأغاني الزجل و بذور العنب الدوماني.

الكلاب تعوي وتطرب لصدى نحيبها، تبحث عن بقايا جثة لم تدفن بقاياها بعدُ، المدارس مسكونة بآلاف العائلات، ومقاعدنا الدراسية تحولت لفراش دافئ لعروسين تزوجا في الأمس، ومات أحدهما صباح اليوم برصاصة طائشة أو بشظية هاربة من حديقة مجاورة على أطراف الريف الفقير، الكل مشغول على شبكات النت والأسلحة مشغولة بالدفاع عن الإله الواحد، كلٌّ يقتل ليكسب حصته من وحدانية هذا الإله الغارق في الدم منذ خَلقَه العقل البشري.

يبكي الغسيل المعلق على البلكونات وأمام أبواب العشوائيات أجساداً كانت ترتديه ويرتديها، يبكي حلمات الأمهات التي كانت تذر بقايا حليبها على أطرافه المتسخة بلعاب الرجال المتعرقين من حمل الإسمنت الطري والمتجمدين من البرد حال وصولهم لأحضان حبيباتهم القذرات الجميلات المتعطرات بالبقدونس والعدس والكمون الأصفر كالوجوه الخائفة من موكب مارق..

أيها الموت الرحيم كرصاصة في رأس سجين متهم بعدم التصفيق، يا سوريا العالية الموغلة في العتق قبل أنكيدو وقبل الآلهة، خذي لفافة تبغي الأخيرة وامضغيها بأسنانك المشوهة الشفافة المعلقة أقراطاً على آذان الثورة فظهري أصبح محنيّاً، ونظاراتي لم تعد تساعدني على رؤية الوجوه المهشمة وليس بحوزتي سوى عود ثقاب واحد أحرق فيه كتب التاريخ والجغرافيا وعلوم الإنسان النياندرتالي ومقدمة ابن خلدون ومؤخرة بنت المستكفي وقصائد والت ويتمان والبزات العسكرية ودواوين شعر ما بعد الحداثة وثيابي المرقعة بورق الجوز وقشر التفاح الأخضر وفوارغ الرصاص.

شاعر سوري ـ الإمارات العربية | خاص موقع قلم رصاص 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

“الطريق إلى المرمى” مجموعة قصصية للكاتب هاني الصبيحي

صدرت عن دار الخليج للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان مجموعة قصصية للكاتب الأردني هاني …