يبدو عبر الشاشة كل شيء سهل، الحزن، الفرح، الشعر، الصحافة، النقد، التعارف، الحب، المعرفة، الغرق، الحلم، السفر، اللجوء، الثورة، الرحيل.. تقريباً أي شيء، لا تقدم في الحالة إياها، منشور هناك وتدوينة على هذه المناسبة، تغريدة من عابرة وأخرى لشخصية مشهورة. برامج تلفزيونية لا تتحرك دون أدوات الميديا وخطوط سيرها المواكبة.
إنه التسطيح، جارٍ على عين ومخيلة، إنه التخاذل الحضاري لنهاية هذا الكون بانفجار خطوط المعلومات الكبيرة التي تحفظها “جوجل” وتدير شؤون أهلها “مايكروسوفت” وتدمجها بمشهد واحد منشورات “فيسبوك”! بهذا الشكل تكتمل معادلة “الروبوت البشرية” الذي يساهم عباقرة الأرض في صياغة حمضه النووي، سوف يصبح جاهزاً مع سقوط آخر شعور بالرائحة والتلمّس.
موحشة هي المفردات المرسومة على هيئة ترميز رقمي في هاتف جوال أو كمبيوتر محمول، لم يعد للترقب وقعه، فالاستياء من هروبنا المستمر نحو العزلة، يبرر للآخر غيابه عنّا، نتدثر بدفاتر وقصاصات وبعض الأقلام في حقيبة صغيرة، نحملها ونمضي بحثاً عن فكرة، مقالة، قصيدة.. نحاول التوقف عند منعطف التعبير الذاتي بما نختار من وسائل حيّة، ترمقنا “هاشتاغات” السخرية بكلاسيكية أفعالنا المتخلفة عن ركب القطيع.
من اللحظة المخطوفة لمشاهد الألوان المتساقطة على طول الأفكار في لوحة ترسم للتو قرب حديقة في مدينة لارنكا، أتطلع على أصابع الشباب والصبايا وهي تتحدث مع الهواء الطلق وتخلق المدارات الراقصة وعيون المتفرجين تبتسم، إنها مناظر لا تموت، لا تنتهي بـ”إعجاب” ولا تنتظر “مشاركة” إنهم يرسمون لأنهم لم يفقدوا الشعور بالحياة بعد، لا هواتف بين يديهم، لم تصيبهم حمّى “السيلفي” لأنهم مشغولون بالحياة، بينما شعوب الميديا العربية من محيطها إلى خليجها فقدت ذلك، فقدت الشعور..!
[email protected]
مدير التحرير