عامر العبود |
لنتفق على نقطتين أساسيتين، الأولى أن غياب النقد الاحترافي والموضوعي للمنتج الإبداعي، مهما كان جنسه، سيؤدي بالضرورة إلى انحدارٍ ملحوظ، ومتعاظم، ينمو ويتمدد، وقد يطغى. أما الثانية، أن كثافة الإنتاج الإبداعي تعني بالضرورة تفاوت مستواه، في حين لا نستطيع أن نقول أن قلة الانتاج تزيد من جودته!، لكنها على الأقل تخلق استقراراً نسبياً في المستوى، وربما يتعلق الأمر بالسوق، فارتفاع الطلب، يؤدي لدخول منتجين جدد، لا يشترط فيهم الاختصاص، أو حتى أدنى مقومات الإبداع، بل يعملون من منطلق “كل قمحة مسوسة إلها كيال أعور”.
الدراما السورية فقدت منذ زمن بعيد ناقدها الجاد، إلا من رحم ربي، لنجد أن المافيا الإبداعية التي يشكلها النقاد، والصحفيون، مع ما يفترض أنه موضوع نقدهم، جعلت الكثير من الأعمال الدرامية تنجو بفعلتها، دون حسيب، أو رقيب، محمَلةً بمئات الرسائل الاجتماعية المغلوطة، ناضحةً بأخطاء تقنية قاتلة (أحياناً)، مزوِرةً للتاريخ أحياناً، لكن تلك الأعمال حصلت على النياشين والامتيازات، كما جرى بعد عرض مسلسل (امرأة من رماد) للمخرج نجدة اسماعيل أنزور، وبطلته سوزان نجم الدين، ليحصل على جائزة أفضل عمل إنساني من مهرجان القاهرة التلفزيوني دورة 2015!، ومن شاهد المسلسل سيعرف أي كارثة فنية تلك. أما الآن، لا بد للقائمين على الدراما السورية أن ينتبهوا جيداً، لأن هناك من يترصد أخطاءهم، ولن تتمكن تلك المافيا من إسكاته، علماً انها قد حاولت.
بدأ المخرج الشاب عبد الرحمن الدندشي بمشروعه النقدي، بعد أن عاد من أوكرانيا إلى تركيا، حاملاً معه شهادة في الإخراج السينمائي والتلفزيوني، ليجد في المسلسلات السورية مادةً دسمة تستحق الانتقاد، فكانت أولى حلقات برنامجه الأسبوعي (حمص وود) في شهر نيسان/أبريل عام 2015، والدندشي عينٌ خبيرة، تصطاد صغير الأخطاء وكبيرها، من الإضاءة، إلى المكياج، فالإخراج والأداء، وربما يكون من أوائل الذين تناولوا بعض الجوانب الأخلاقية في الأعمال الدرامية (وليس الأول طبعاً)، كتناول الخيانة الزوجية على اعتبارها طقساً سورياً، أو التعامل العنصري مع بعض الطبقات في المجتمع، فضلاً عن إصرار بعض المخرجين على إشعال مئات السجائر في الحلقة الواحدة …إلخ، كما تمكن الدندشي عبر قناته على يوتيوب، أن يجذب عدداً كبيراً من المشاهدين، عندما تخلى عن اللغة النقدية الرصينة، والمصطلحات الأكاديمية، التي لن يفهما إلا الأكاديميون، فلجأ إلى الكوميديا الساخرة، بلهجته الحمصية الجميلة.
لدندشي ما له، وعليه ما عليه، فهو يبالغ أحياناً في إغراقه بالتفاصيل، وإن كانت مسكن الشيطان، كما ارتكب بعض الأخطاء، منها ما اعتذر عنه بعد تنبيهه من قبل متابعيه، ومنها ما تجاوزه، لكن الأكيد أن (حمصوود) بدأ فعلاً بتغيير طبيعة المشاهد، لتجد أن المتابع أصبح أكثر قدرة على اصطياد الأخطاء، وصار يراقب زجاج السيارات ليرى إن ظهر انعكاس صورة المصور عليها أم لا، كما صار يلاحظ من أين جاءت الرصاصة، وأين استقرت، ويتابع الأفكار في السيناريو بحذر، متصيداً خطأ من هنا، أو هفوة من هناك، وهذا أمر يحسب للدندشي.
لكن الأهم، أن باسم يوسف استطاع أن يحول الكثير من المصريين إلى نقاد ساخرين، عندما غير وعيهم بالخطاب الإعلامي والسياسي، حتى أن الرئيس السابق محمد مرسي، صار يتوخى تأجيل موعد خطابه، إلى ما بعد عرض الحلقة، وكأنه كان على علم أن هذا البرنامج سيتوقف، وكان يتمنى أن يحصل ذلك في عهده، لكن البرنامج كان من عوامل فقدانه لهيبته، فهل سيتمكن أحد من إسكات الدندشي حفاظاً على “بريستيج” الممثلين والمخرجين؟؟!، وهل سنجد من يتابع هذا المشروع إذا تخلى عنه الرجل، لسبب ولآخر؟!
كاتب سوري | خاص مجلة قلم رصاص