الرئيسية » رصاص خشن » حظر تجول

حظر تجول

أحمد كرحوت  |  

ـ ماذا تبيع؟

ـ أبيع حبات من السكر الموزعة في ألياف داخل هذه الكرات الحمراء المائلة إلى اللون الأسود وتحتوي بذور بنية اللون..

ـ هيييه ألا تعرف أن تقول عنب أم أنك تجهل اسمه؟

ـ الجهل مرحلة ما قبل الإدراك وقبل الرؤية هي لحظة الفصل بين الجنون الغبي وبين الوعي المطلق كالباحث عن ذاته داخل لوح من الزجاج المطلي بالقصدير من وجه واحد فيعكس دخائل النفس البشرية.

ـ يوووه يا لك من غبي أأنت بائع فاكهة متجول أم فيلسوف؟

ـ ما أنا إلا بائع كلمات صعلوك يحاول التسلق على بعض الغصون الممدودة من برج عال هرباً من الظلال التي تلاحقه والأقلام التي تسجل كم قطرة يبول مقارنة بنسبة المياه التي يشربها في النهار..

ـ اصمت أيها الأحمق ألا ترى عدد المخبرين الذين يجلسون حولك بهيئات شحاذين وباعة متجولين ثم أن…

ـ ثم ماذا أنا أيضاً بائع متجول يملك لساناً سليطاً ولدي قلم أعلقه خلف أذني ولدي أيضاً دفتر صغير في جيب قميص أعده مقياسي الأصدق في خضمّ هذه التفاعلات المجتمعية المنقسمة بين حيادي يكره، وحيادي يحب وحيادي يسرق، وحيادي يشحذ، وحيادي يضرب وحيادي يُضرب، وحيادي معتقل وحيادي معتقِل، وحيادي ببزة رسمية وحيادي بسروال وحيادي ببنطال جينز، وحيادي بشعر أبيض وحيادي بشعر أصفر وحيادي أصلع وحيادي بلحية طويلة وبزة عسكرية، وحيادي بلحية طويلة وجلباب أبيض وحيادي بخوذة وحيادي بقبعة صوف وحيادي بهاتف جوال وحيادي بهاتف أبو قرص وحيادي بريشة وألوان، وحيادي بكاميرا تبدل عدساتها كل عشر دقائق وتفرغ بطارياتها كل نصف ساعة، وحيادي بكرتونة مفروشة على رصيف وحيادي بقصر وحراس وحيادي بنظارات طبية وحيادي بنظارات شمسية وحيادي بعدسات طبية لاصقة وحيادي بعدسات ملونة، وحيادي بصندل يحمل مشط القدم تاركاً الأصابع تدغدغ الأرض كل خطوة وحيادي بحذاء لامع حتى من أسفله، وحيادي نباتي وحيادي لحمي وحيادي جائع وحيادي يطعم كلبه عشرة علب هوت دوغ يومياً، وحيادي يعرف الموز أنه خيار أصفر معقوف الأطراف وحيادي يلحس الكافيار من طرف الملعقة، وحيادي تصادر دراجته الهوائية وسط البلد بحجة المظهر الحضاري وحيادي يغلق الشوارع بموكبه الذي ليس له نهاية فينزل من سيارته المرسيدس ليثبت للجماهير كم هو متواضع وشهم ويطلب سندويشة شاورما وحيادي بمعدة فارغة إلا من الماء والملح و..

ـ توقف هذا يكفي أنت رهن الاعتقال بتهمة التحريض والانقلاب ومعارضة القانون ودستور البلاد 
ـ لكن من كنت أحرض ؟ 
ـ أنا ..
ـ وهل تأثرتَ بما قلتُه ؟
ـ نعم أشد تأثير 
ـ إذن أنت أيضاً متهم ؛ أولاً: بالاستماع لعبارات التحريض دون أن تحرك سلاحك عن خصرك.
ثانياً: الرضوخ للتحفيز العقلي الذي مارستًه عليك تواً.
ثالثاً: لتأثرك الشديد حيث لامست كلماتي أحشاء قلبك وتلافيت دماغك وطبقات عقلك وقد شعرت بهذا ورأيته في لمعان عينيك.
ـ ماذا ؟ أنت ! هل أنت..
ـ نعم أنا أيها الغبي أنا سيدك الذي أوكل إليك مهمة أكبر منك وكنتَ أضعف من تحملها مُتنكراً بزي الفوّال.
ـ لكن يا سيدي أرجوك إن كنت أنا وأنت وهؤلاء الشحاذين والمتسولين والباعة وزبائنهم وسائقي التاكسي والباصات وركابهم وصانعي الحلويات وآكليها وبائعي المياه والخمور وشاربيها، وزارعي الأرض وحصّادها وأطباء المستشفيات ومرضاها ومدراء المؤسسات والشركات والمصانع وعمالها، وحراس الأبنية وباعة الجرائد وكتّابها وقرائها وأساتذة الجامعات وكادرها وطلابها وأصحاب المطاعم وموظفيها ونادلي المقاهي وروادها وطاولاتها وكراسيها وصناديق الزهر وأحجار النرد وجيوش الشطرنج وفناجين القهوة وصحون السجائر وعلب المحارم وقناني المياة المعدنية إن كنا كلنا عملاء وجواسيس ومخبرين على بعضنا فأين الشعب الذي علينا أن نلاحقه إذاً …!

شاعر سوري  |  خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

وحشية

١ ثمة ملاك، أو هذا ما نظنه لأنه يرتدي لباساً أبيض، ينشر حوله هالة نورانية، …