كانت شوارع دمشق شبه فارغة اليوم إلا من بعض المجانين الذين قرروا شرب الجلاب والتمشي على مهل في الحميدية ليراقبوا أسراب الحمام تحط في الساحة أمام الأموي، الحواجز زادت من احتياطاتها الوقائية مفتّشة الجميع دون استثناء. وفي الحادية عشرة صباحاً كانت الحصيلة قد بلغت الأربعين بين صاروخ وقذيفة.
لم أشرب الجلاب رغم أنني تمشيت على مهل وعبرت دمشق سيراً على القدمين كالعادة من أقصاها لأقصاها.
أربع سنوات ولا أستطيع فهم لم تستهدف قذائف الهاون المدارس أثناء الدوام الرسمي، لم يتوجب على الأطفال قضاء حصصهم الأولى مختبئين في الملاجئ، ألا يتقنون تحديد الإحداثيات؟ أم أن الريح تغير مسارات القذائف؟
***
نجلس على السطح، الأغصان العلوية من النارنجة ما تزال مثقلة بثمار لم تطلها يدا الحجة لتصنع منها المربى السنوي…
أشابك أصابعي المتجمدة على حواف كأس الشاي الساخن.
يقول:
-اسمعي..
تنطلق… أسمع أزيز طيرانها لثوان طويلة ثم صوت انفجارها البعيد.
نعدّ…
واحدة.. اثنتان.. ثلاثة..
ثم ننصرف إلى مراقبة قطين يتشاجران على السور المفضي للدار المقابلة.
أرفع رأسي. السماء صافية بزرقتها الخفيفة تتوزّعها بضع غيوم بيضاء وأسراب حمام يطير.
***
إنه وقت الغروب، الكهرباء مقننة في شارع الأمين والمحلات القليلة المفتوحة تضيء بـ “ليدّاتها” الشاحبة.
في الأعلى، الشرفات مزينة بأعلام صغيرة خضراء كتب عليها “يا حسين.. يا شهيد”.
على الجهة اليسرى بيت “طوطح” بجداره المائل نحو الشارع، ومن خلف السور تطل تلك النارنجة التي اختلست النظر إليها ذات مرة من ثقب الباب الحديدي المغلق بقفل معدني كبير صدئ وكشفت سرّ البركة البيضاء في أرض داره.
كم هي مذهلة بثمارها المتكورة الجاهزة لقطاف لن يحين وقته لغياب أصحابه.
***
أقطع قوس الباب الشرقي، طفلة ذات سنوات عشر ترتدي العسكري وتركض خلف أبيها حاملة روسيّته بالكاد.
وعلى الضفة الأخرى هناك، وبعد يومين، ستغرق دوما في الدم الممزوج بقطرات مطر مالح ليخفف من كثافته اللزجة.
5 شباط 2015
موقع قلم رصاص الثقافي