الرئيسية » مبراة » “سهر الورد” لا تموت

“سهر الورد” لا تموت

إلى الروائي علي عبد الله سعيد: الذئبة ما زالت حيّة، ونحن نراها في حروفك وبريق عينيك.

إنهم في بلادي يقتلون الوردة، فيتوه الحلم، وتهيم الروح على وجهها ولا تدري أين المستقر، هم هكذا في بلادي لا يطيقون سماع صوت العنادل فيتلذذون بكتم أنفاسها واقتلاع حناجرها، كذلك يدهسون الورد بكل دم بارد ويمضون غير آبهين بمشهدية الموت والحزن الذي يخلفونه، لا يهمهم أي أم تبكي، المهم ألا تبكي أمهاتهم، ولا أي أب يُفجع المهم ألا يكون أباهم، لذلك يستمر شلال الدم دون توقف في ظل سطوة البنادق والحراب، وتبقى الضحية المحظوظة هي تلك التي لا تتحول إلى جانية بفضل حكم الفساد المبرم وغير القابل للطعن بأي شكل من الأشكال.

قتلوا سهر الورد بكل دم بارد، ليس لشيء، فقط لأن ابتسامتها كانت تغيظهم، فرحها الطفولي أثار حقدهم، ولن يتركوا في تلك البلاد وروداً تبتسم للحياة، هناك يجعلون الأشجار حطباً لنيران فتنهم، ويتوارثون الموت جيلاً بعد جيل ليحولوا تلك البراري إلى خراب.

كل ما يمكن لشاعر أو أديب أو كاتب أن يفعله في حال وقع عليه ظلم في تلك البلاد أن يجلس مع أوراقه ويبث همومه لها، تلك الأوراق أنقى وأوضح من البشر، وشتان ما بين أوراق تُحيي وأخرى تُميت وتحول الحق باطلاً والباطل حقاً ببضع ليرات، وبذلك يتجلى الظلم بأبهى صوره في مجتمع أقل ما يُمكن أن يُقال عنه أن شريعته غدت أفظع من شريعة الغاب.

كلما نظرت في عيون ذلك الرجل أشعر بالخجل حتى أني لم أعرف كيف أقدم له العزاء فهو ليس كبقية الأشخاص الذين أعرفهم، لم يقم عزاءً افتراضياً، ولم يُلبس صفحته السواد ويتسول “اللايكات” على مصيبته، أي رجل ذاك الذي يمتلك كل هذا الجلد، سلبوه أغلى ما عنده وأمعنوا في جلده حين كادوا أن يجعلوه الجاني لكنه لم يصرخ، ولم يسمح لأحد أن يتلذذ بألمه، أكاد أسمع نفخ الصور بين أضلعه لكنه ما زال واقفاً كأشجار السنديان التي نشأ بينها.

منذ رأيته للوهلة الأولى وقبل أن أعرف سيرته الأدبية أو الشخصية رأيت في تجاعيد وجهه الكثير من الحكايات، هو بالفعل من زمن آخر جاء من عالم لا نعرفه نحن الآدميين، كان صاحب نبوءة ورأى الخراب قبل أن نراه، لا أدري لماذا أُعجبت به رغم أننا لم نتحدث أو نلتقي؟ ربما نتشابه، أو لنا زمرة الدم ذاتها، وقد نتفق في بعض الأفكار، أنا لا أعلم في الحقيقة كيف أصف شعوري وأنا اقرأ كتاباته، لكني يمكن أن أقول: إن لها مفعول السحر، وهذا الكم الهائل من الأسى يجعلك تفكر جدياً كيف يمكن أن تنصر رجلاً مظلوماً يعيش منفياً داخل مزرعة يسمونها مجازاً “وطن”.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …