ليس سؤالاً سهلاً هذا الذي نطرحه، ونخول أنفسنا الإجابة عنه، وليس أصعب منه سوى سؤال الحقيقة التي يحاول تكوينها كتّاب قلم رصاص، ويبحث عنها قارئ قلم الرصاص، لا ندعي امتلاك ناصية المعرفة إلا أننا ومن خلال النزر اليسير الذي بين أيدينا نحاول تطويق العقل بهالة من نور، ولا نريد أن نطارد السراب في صحراء العقول الخاوية، بل يحدونا الأمل أن نكون بوابة الظل وبصيص ضوء في آخر هذا النفق المُظلم لمن أراد أن يهتدي. نمضي نصف خطوة ونترك للآخر أن يبادر ويكمل النصف الآخر حتى يكتمل المشهد.
أردناه قلم رصاص لأنه الابن الشرعي لشجرة الماضي، وفتيل سراج الحاضر، وزيت قنديل المستقبل، ولأن قلم الرصاص لا يموت ولا يختبئ خلف متاريس من أكياس الرمل، ولا يهادن صفير الريح، قلم رصاص نقطة ماء تهوي على صخرة، ولادة جديدة لطائر فينيق لما يزل ينفض عن جناحيه رماد الموت مُعلناً القيامة الأبدية التي لا موت بعدها.
أما الحقيقة فهي أوراق المستقبل الخضراء التي ما زالت على أغصان قلم الرصاص تقاوم رياح الحاضر العاتية، رافضة السقوط كأشجار الماضي الصفراء، وهي مجموعة الرموز التي نعيد تحليلها والجذور الحية المتشبثة بتراب الأرض، وهي ملامح مراحل مختلفة نشذبها بإعادة صياغتها لنحصل على مستقبل أفضل.
«نحن نبني الكثير من الجدران والقليل من الجسور»، هذا ما قاله نيوتن، وغايتنا مدُّ قلم الرصاص جسراً يرتق ثياب الثقافة الثكلى، ويُعيد ربط ما أمكن من ضفاف المجتمعات التي تشظت وتداعى بنيانها الأصيل بفعل رياح التغيير، نحاول عبره إعادة هيكلة رؤية ثقافية معرفية سياسية واجتماعية ودينية أسها حرية التعبير والرأي والانفتاح على الآخر، قلم الرصاص ليس أسود، ولم يكن أبيض، وليس من رماد، هو انعكاس قوس المطر يراه الجميع أينما كانوا، ينتقل من ضفة إلى ضفة يُرقع ثقوب السماء الممزقة.
إن قلم رصاص وإن كان مهتماً بالدرجة الأولى بالشأن الثقافي فهو في واقع الحال لا يمكن أن يفصل السياسة عن الثقافة ولا الدين عن الثقافة لارتباطهما الأزلي، ولا يهمل دور الاستبداد في انحسار الثقافة، ودور الفوضى في ولادة ثقافة جديدة هلامية الشكل ضحلة المضمون أسها الموت والدمار، لكنه يُعيد رسم ثالوثه الخاص وينزع عنه القداسة فهو لا يعتد بالمقدس وإيمانه مُطلق بالرصاص الذي في جعبته، وإن فشل ستكون الرصاصة الأخيرة في رأسه، فهو إله من تمر، يؤكل عندما تمتنع الفكرة عن التجسد أو التحرر.
مجلة قلم رصاص الثقافية