الرئيسية » رصاص ميت » ابتسامة الرجل الحزين!

ابتسامة الرجل الحزين!

رحل الأديب والكاتب ياسين رفاعية (82 عاماً) بهدوء، كان خفيف الظل دوماً حتى في رحيله الذي لم يشعر به أحد، هكذا هم الكبار ينسلون من بيننا وهم يبتسمون وحدهم يعلمون بموعد رحيلهم، أما نحن فلا نملك سوى حزن القلب ونزيف المآقي على الراحلين بلا عودة.

عشق ياسين رفاعية بيروت، عاش أفراحها وأتراحها حروبها وسلمها هزائمها وانتصاراتها، لكنه لم يهادن الحياة بقي يصارعها حتى الرمق الأخير، رغم إيمانه بالموت الذي لطالما آلمه حين خطف منه حبيبته وزوجته الشاعرة الراحلة أمل جراح، يقول الأديب الراحل: «لن تستطيع أن تنصرف عن الحياة، هذا هو قدرك، أمَّا هذا الموت الصلف فهو مصيرنا جميعاً، وهذا هو العزاء».

التقيت الأديب ياسين رفاعية للمرة الأولى في حفل توقيع كتاب «طفولتي مع والدي» الدكتورة صفية انطون سعادة عام 2013، ولم أعرفه عن قرب إلا بعد أن قرأت روايته «سوريو جسر الكولا».

علمت لاحقاً من الصديقة الشاعرة والقاصة السورية سوزان إبراهيم بأن الأديب السوري ياسين رفاعية في إحدى مشافي بيروت بعد أن أجري له عمل جراحي، وما أن انتهيت من عملي ذهبت إلى المشفى في شارع الحمرا، واستدللت على غرفته من إحدى الممرضات، وقد وجدته وحيداً لا مؤنس لوحشته سوى امرأة عرفت لاحقاً أنها أخت زوجته، سألتني قبل أن أدخل عليه نقول له من الزائر؟

قلت لها: أخبريه أن أحد «سوريو جسر الكولا» جاء ليطمئن عليه، شعرت أنها لم تفهم قصدي، وقد طلبت مني أن أعيد ما قلته، كذلك شعرت أني تفذلكت قليلاً، لكن تلك الفذلكة كانت نابعة من إعجابي الشديد بروايته «سوريو جسر الكولا» التي شخص فيها الوجع السوري المزمن في لبنان، وجع الشتات وحكايات الحب والموت والاضطهاد، وما كنت أرى في نفسي إلا أحد أبطال روايته تلك، ومن ثقتي بأنه سيدرك معنى كلماتي وسيسعده ذلك كثيراً.

دخلت على الرجل المستلقي على سريره الأبيض سلمت عليه بحرارة، ابتسم في وجهي عرفته بنفسي، ولم أزعجه كثيراً بالكلام، لكني أردت أن أقول له الكثير، أن أخبره أنه ليس وحيداً وهناك من عرف بوعكته الصحية وجاء يطمئن عليه، أردت أن أبقى أطول زمن ممكن، لكن الظرف لم يسمح والزمن ليس ملك يميننا، غادرت بهدوء تركته كي ينام النوم الذي لا راحة فيه، أما الآن فقد نال نوم الراحة الأبدية لأنه اشتاق إلى أمل التي لم تفارقه منذ رحيلها، اعتقد أن الرجل الحزين قد ابتسم أخيراً برؤية وجهها.

ياسين رفاعية، كاتب وروائي سوري ولد في دمشق العام 1934، عمل في الصحافة والتحرير الأدبي، وفي وزارة الثقافة السوريّة، ثم  أسس مع الأديب فؤاد الشايب مجلة المعرفة. وعمل في جريدة الأحد اللبنانيّة، وترأس مكتب صحيفة الرأي العام الكويتية في بيروت. وبعد الغزو الإسرائيلي للبنان غادر إلى لندن، حيث عمل مسؤولاً ثقافياً في مجلة الدستور، ثم انتقل إلى جريدة الشرق الأوسط حتى العام 1996، عاد بعد ذلك إلى بيروت وتفرغ للكتابة. له أكثر من 25 مؤلفاً في الشعر والرواية والقصة.

 مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

رحيل الأديب الدكتور السوري نضال الصالح

نعت وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب في سوريا الأديب والناقد والأكاديمي الدكتور نضال الصالح (1957 …