أحمد م أحمد |
1
لي أخوةٌ أنسى أسماءهم، فأناديهم بألوان قبورهم:
يا أحمرُ، يا بنيُّ، ويا أزرقُ!
وكان لي أخٌ قديمٌ ربّما سِيْطَ، وَسَاطَ، لكنّه أدمنَ تقبيل الندوب التي تركتها السّياطُ ــ أبلَّتْ جميعاً، ولـمّا يزل كلّما عَثَرَ بجثّةٍ قالَ إنها (هو).
2
كان أخي أباً لي، ضئيلاً، مهزولاً ـــ قالَ رُقٌّ ـــ جلس آباداً ثلاثةً على سبعةِ أطفالِ الكلامِ ـــ باعنا إحدى عشرة جمجمةً من صغار النخيلِ وخُنّوصاً أبرص أسماهُ (هوَ) جاءَ من صُلْبِ سِفْرٍ منقوصٍ تحلّلَ النَّفَسُ منه في لهاث بقرة عذراء. وقال رقٌّ آخرُ إنَّ (قديماً/ كثيراً) أكملَ بَصْقَ الهُجَاسِ في رحمِ “خاء، واو، فاء” ـــ فكان.
3
ندا صوتُهُ في مهدِ لحْدِهِ بالريحِ الصّرصرِ ــ تشلّعت له القلوبُ لما نضا الجذامَ فوقنا ـــ عبثَ الطفل باليباس، تَعَلْقَمَ ماؤهُ. تشققتْ له الوجوهُ قبل الأرض. ثم بكانا اليومَ بشجيِّ المطر.
4
توغْدَنَ ابنُ ذاته والسّوادِ.
ارتدى شبيه اللون في شارع البغايا، صفع النادلاتِ على الأقفية، هرهرَ إرثنا في أحضان الغانيات وبكى يُتمَه وعقمَ والدَيهِ ـــ أطعمنَه السُّكَّرَ المحروقَ بنوافل الكوتكس ـــ ناولنَه حبوبَ النّومِ بحلمات أثدائهن. وكان يُبطئُ النوايا في ساعاتهن البيولوجية، ويجلدُ القطعان إلى الحافّةِ في الجهاتِ الأُخَرِ.
5
كنّا السابلةَ، حَمَلَةَ الزنازين الملوّنة، الرؤوسَ المتشابهةَ على المدرَّجات، المنذورين للريحِ كي تكتملَ الأسطورةُ بموتنا ثم خَلْقِنا لوباء أصفر جديد، لرذاذ الحروب.
كان الولدُ/ الأبُ أرعنَ ـــ كأمواسِ الحلاقةِ ـــ فرفطَ أشباحَه الصِّيْدَ في البيت العتيق، نسيَ الجوهرَ وسرَقَ أحذيتنا من الجوامع، نبَحَ خلف عرباتِ الراهبات، فأسميتُه “أنا”.
6
الأخُ الغريبُ كَذِبَ في قوله إنه القريبُ، إذْ لـمّا تنفقئْ بعدُ الدماملُ ألجَعَلَ منها كلَّ شيءٍ حيّ. كذِبْنا، نحنُ آباءَهُ الغرباء، فلم نُرسلْ إليه لونَه الحقَّ، إنما طَيَّرْنا في سماواته الكالحة الحبرَ والصحائفَ، ليردَّ الحبرَ في مطالع النهارات لوناً لدجلةَ، والصحائفَ وقوداً لحمّامات الإسكندرية.
7
كان أخي الكبيرُ الرّاعدُ، المُرغي، المزبِدُ، الفردُ، المعنى الكليلُ، ذو الأسماء والصفات، يسلقنا في قِدْرِ الحروب وأقدارِ القذفِ السريع، ويهيل علينا الكلِمَ الرهيبَ من على مآذنه الخضر.
كنّا آباءَ أبينا الكبير، توأمِنا السياميّ. صنعناهُ وأحببناه، حفّضناهُ بالبامبرز حين سَلُسَ بولُهُ، وعَجَنَّا من التّمرِ صورتَه الشبيهة بنا، نحنُ فئرانه في مختبر المُحسِّناتِ البديعية.
8
وفي وقتٍ تَفَلَّتَ منَ الوقتِ، رموهُ أمام عينيَّ من علِ.
في رحلة سقوطه، كان كلّما دنا من الأرضِ علوتُ إليه بعينيّ، وكلّما ارتفعَ طأطأتُ وأغمضّتُ، فرأيتُني.
وحين ارتطمَ بالقاعِ قيلَ لعينيَّ إن السماء تصدّعت.
9
لم يكن لقبره لونٌ،
أو لم يكن له قبر،
فناديتُه: يا زُحَل.
شاعر ومترجم سوري