زينب حاوي | عام تلو الآخر، لا يتغيّر شيء. المسرح نفسه (حديقة قصر سرسق)، والوجوه نفسها مع تغيير في أسماء لجنة التحكيم. جائزة «سمير قصير لحرية الصحافة» في عامها الـ11، كادت تكون مستنسخة عن عامها الماضي. والمفارقة أنّ الفائزين من الجنسيات نفسها: سوريا ومصر. الجائزة التي تتنافس عليها ثلاث فئات: مقال الرأي، والتقرير السمعي-البصري، والتحقيق الاستقصائي. ورغم تنوّع المواضيع المختارة لمرشّحي المرحلة النهائية، إلا أنّ ما تظهّر عنها لا يتخطى دائرة التسييس والمسرحة التي دأب منظمو الاحتفال على تظهيرهما.
بالنسبة لمنظمي «جائزة سمير قصير لحرية الصحافة»، لا تزال عقارب الساعة متوفقة عند آذار (مارس) 2012، تاريخ انطلاق الحراك الشعبي في سوريا، الذي تغيّرت ملامحه اليوم بالكامل. في كل ما شاهدناه وسمعناه (بعض المرشحين موّهوا وجوههم وآخرون أجروا مداخلاتهم صوتياً)، تكرّرت العبارات نفسها من قبل المرشحين السوريين الرازحين تحت الحصار والتجويع، والبراميل المتفجرة، والمتشربين لثقافة الخوف التي زرعها «النظام الأسدي في نفوسهم»، فيما يحاولون اليوم كسر «جدار الصمت والاتجاه نحو رياح الحرية». هذه المشهدية أتت مركبة وغير عفوية. مثلاً، إذا نظرنا إلى مرشحي فئة «مقال الرأي»، يبرز أمامنا بسهولة اسمان بين ثلاثة سوريين، مع الخلفية السياسية والأيديولوجية نفسها: غالية شاهين (1974) التي نشرت حيث تعمل في «العربي الجديد» مقالها: «نعم… كنت خائفة» في تموز (يوليو) الماضي. يتطرّق المقال إلى تجربة شخصية في ظل الظروف الأمنية القاسية في سوريا، والتي دفعت بها وبغيرها إلى الهرب. إلى جانب شاهين، يأتي ماهر مسعود الفائز عن هذه الفئة، بمقاله «أرض الكلام»، المنشور في مجلة «طلعنا ع الحرية» (آذار 2016)، ويتطرّق إلى «خمس سنوات من قضايا وشؤون الثورة في سوريا، وعناء الحرب التي واجهها النظام بالرصاص والكيماوي والبراميل المتفجرة».
اللافت في كل هذا، مسرحة الوجع السوري أمام الحضور الذي يغلب عليه الأوروبيون، وتمرير تحقيقين بالغي الأهمية مرور الكرام. «داعش» ووحشيتها التي فرضت نفسها على المشهد السوري والعربي، وغيرّت استراتيجيات دول كبرى جذرياً، حضرت في هذا الاحتفال بخفر، مع الصحافية المصرية صفاء صالح التي كانت من بين المرشحين في المرحلة النهائية عن فئة التحقيق الاستقصائي. في عملها «نساء في قبضة الخلافة»، ذهبت صالح إلى سنجار في العراق لرصد وفضح بيع واغتصاب الإيزيديات وبيعهن في سوق النخاسة في الرقة السورية. نُشر العمل في صحيفة «المصري اليوم» (كانون الأول/ ديسمبر الماضي)، ولم تُعرف معايير لجنة التحكيم في استبعاده عن هذه الجائزة التي ذهبت إلى المصري محمد طارق صاحب مقال «شبر وقبضة» الذي يحكي قصص المحتجزين المتوفين في أقبية أقسام الشرطة. رغم أهمية هذه القضية، لكن ألا تستحق صالح التنويه بعملها وبجهدها الكبير في نقل معاناة إنسانية بالغة، وفضح التنظيمات الإرهابية؟
المغربية صوفيا عمارة، المرشحة كذلك عن فئة التقرير السمعي/البصري، تناولت أيضاً في شريطها الذي بث على قناة «الجزيرة الإنكليزية» قضية تجنيد الأطفال من قبل «داعش»، لم يسعفها حظ المنظمين. وذهبت الجائزة إلى السوري مطر اسماعيل الذي أطل بوجه مموّه، وتحدّث عن فيلمه «حب في الحصار» الذي يؤرّخ ليوميات عائلة محاصرة «استطاعت التغلب على الجوع والحصار من خلال الحب»!. تكمن المفارقة هنا في حديث إسماعيل في مداخلته حديثه عن «الثقافة الأسدية في التجويع والتركيع والمحاصرة»، الأمر الذي ذكّرنا بما أدلى فيه العام الماضي أيمن الأحمد عن «ثقافة الخوف» و«وجه حافظ الأسد الذي يثير الفزع».
رأينا في ما سبق ليس انتقاصاً من قضايا هؤلاء الشباب ولا من معاناة الشعب السوري، لكن من الضروري في مثل هذه الاحتفالية الخروج من المعزوفة التي تراهن عليها سنوياً، كما يبدو. أليس من الأجدى على جائزة «سمير قصير لحرية الصحافة» التقاط المشهد العربي ككل، وتقديمه من دون أي حسابات سياسية ضيقة، ومسرحة مفتعلة؟ وبالتالي تسليط الضوء على معاناة أطياف أخرى لا تقل أهمية!
جريدة الأخبار