تحسين الخطيب |
تُعدّ جائزة “كامويش” (Camoes) واحدة من أكثر الجوائز الأدبية أهميّة في العالم الناطق بالبرتغاليّة. تمنح الجائزة سنويًا، منذ العام 1988 -تخليدًا لذكرى شاعر البرتغالية الأعظم لويج فاج دي كامويش (1524 1580-)- بجهد مشترك من طرف مؤسسة المكتبة الوطنية في البرتغال ودائرة الكتاب القومي في البرازيل، إلى مؤلف واحد عن مجمل أعماله. تبلغ قيمة الجائزة مئة ألف يورو، مما يجعلها واحدة من أغنى الجوائز الأدبية في العالم.
“أعمالي كتاب ونصف!”، قال رضوان نصّار، مندهشًا، لدى سماعه نبأ منحه جائزة “كامويش” عن مجمل أعماله، عبارة بليغة تختصر الكثير، وتعيد مسألة “الأعمال الكاملة” إلى الواجهة، بكل ما تنطوي عليه العبارة من معان ظاهرة وأخرى ثاوية. فثمّة من كتب، في حياته كلّها، كتابًا واحدًا صغيرًا، كان كافيًا لتخليد اسمه، فيما يسعى كثيرون إلى تحبير كثير أوراق على أوراق، وتكديسها بلا رحمة، ظنًّا (ويا للوهم المرعب!) أنها طريقهم المعبّدة إلى الخلود.
ولا تزيد أعمال رضوان نصّار، المنشورة لغاية الآن، عن ثلاثمئة صفحة صغيرة، فهو كان قد هجر الكتابة في عزّ مجده الأدبيّ، بعد نشر روايتين قصيرتين؛ “حَرْث قديم” (1975) و”جام غضب” (1978)، اللتين حققتا له شهرة واسعة، ليس على صعيد جمهور القراء العاديين فحسب، وإنما على صعيد المراجعات النقدية الرصينة التي جعلت منه واحدًا من أبرز الأسماء الأدبيّة في البرازيل، مقارنة بكلاريس ليبسكتور وجواو غيماريش خوزا.
ولكنّه، على الرغم من ذلك، يعلن في العام 1984 سأمه من الأدب، فيقرر الكف عن الكتابة والتفرغ إلى العمل في مهنة أجداده؛ الفلاحة وتربية الماشية.
ثم ما يلبث في العام 2011 أن يتخلّى عن ملكيّة أعماله التجارية الناجحة لصالح كلية الزراعة بجامعة ساو كارلوس الفيدراليّة، لإجراء البحوث الزراعية وإقامة حرم جامعي جديد، ليدخل في حياة عزلة كاملة في مزرعة صغيرة يمتلكها على أطراف المدينة.
ولم يعد نصّار إلى عالم النشر إلا في العام 1997، حين نشر مجموعة قصص قصيرة كتبها في ستينات القرن العشرين وفي سبعيناته، وتحت عنوان “فتاة على الطريق ونصوص أخرى”، ثم ما يلبث أن يصمت بعدها لائذًا بعزلته الاختياريّة مرّة أخرى.
وليس هذا فقط، فقد كان نصّار يعارض، لسنوات طويلة، حتى تترجم أعماله إلى لغات أخرى. وهذا ربّما ما يفسّر عدم حضوره في العالم الناطق بالإنكليزيّة إلا مؤخّرًا، حين قامت دار بنغوين البريطانية العريقة في مطلع هذا العام 2016 بنشر أول ترجمة إنكليزية لروايتيه، في سلسلة كلاسيكيات معاصرة، وبعد مفاوضات عسيرة معه. وما إن نشرت الترجمة حتّى بات ينظر إلى نصّار على أنّه “دي. إتش. لورنس” جديد، خاصة في روايته “جام غضب” التي ترشحت ضمن القائمة الطويلة لجائزة المان بوكر لهذا العام 2016.
تمتاز أعمال رضوان نصّار بميزتين رئيسيتين، لم تغفل عنهما لجنة التحكيم وهي تعلن الجائزة في مساء الثلاثين من شهر مايو الماضي، هما لغته الاستثنائيّة، وقوّة نثره الشعريّة. ففقراته طويلة ومكثّفة، لا فواصل منطقيّة بين جملها المكتملة، تسعى عبر تكنيك التقديم والتأخير، وحركة الأنفاس المتقطّعة التي تدور المقاطع اللفظيّة في أفلاكها، إلى خلخلة البنى اللغوية القاعديّة وكسر عمودها. أمّا نثره فهو متوتّر وعارم في النقطة المترنّحة دومًا على تخوم الشعر.
ولم تتوقف اللجنة عند هاتين الميزتين فحسب، بل أكّدت، كذلك، قدرته البارعة في الكشف عبر عوالمه السرديّة عن تعقيدات العلاقات الإنسانويّة بطرائق ليست في متناول أساليب الخطاب الأخرى على نحو يسير. كشف يتناول المحرّمات، فيقضّ المضاجع ويصيب المرء بالضيّق، عبر استخدام عنيف للغة تكون ليونتها مدموغة في مدوّنات خطابيّة مختلفة تجنح إلى الكثافة على حساب الطول.
ولد رضوان نصّار في ساو باولو سنة 1935، وهو الابن السابع لجون نصّار وشفيقة قسّيس، اللذين هاجرا من قرية إبل السقي في الجنوب اللبناني في العام 1920.
العرب