لوحة للفنان عبد الحميد بعلبكي

وحشية

١
ثمة ملاك، أو هذا ما نظنه لأنه يرتدي لباساً أبيض، ينشر حوله هالة نورانية، تُحيطه لفافات من الأوراق، بيده واحدة، يقرأ منها، اللفافة طويلة طويلة، لا نرى نهايتها..
جمهور بلا ملامح، أشباه بشر، يصفقون لكلماته الزرقاء.. في البعيد وراء الملاك، سياج حديدي أسود، وبوابة ضخمة يحرسها ملاكان بسيوف ملتهبة، خلف السياج مدينة تحترق، يهرب منها بشر، رجال، نساء، أطفال، ثيابهم رثة، عيونهم تقطر بؤساً، تنقض عليهم عقبان بعيون مطفأة، صرخات استغاثاتهم عالية، لكن للأسف لا أحد يسمعها، فما نراه مجرد ألوان وخطوط داخل اللوحة..!

٢
ثمة فارس، أو هذا ما نظنه لأنه يمتطي فرساً، لم يكن يحمل سلاحاً، مطيته عجفاء، عظامها بارزة، ليس دونكيشوت، إلا إن كان متنكراً بزيٍ عربي.. مُرافق الفارس يشير بيده إلى أقصى الزاوية في اللوحة، نتابعها إلى مدينة تحترق، وجثث تفترش الركام، بينما سيل دماء يجري لا نرى نهايته كذلك، لأنه يصطدم بالإطار.. حركات المرافق تبدو كأنها تحثّ الفارس على الإسراع، تستعجله كي يغادر متاهة كثبان الرمال، حركات الفارس لا توحي بأنه على عجلةٍ من أمره، ربما يتريث حتى تخمد النار، كي لا تحرق باقة الورود التي ذبلت وجفت في يده، ذاك أن الموتى لن يأبهوا لحال الورد على قبورهم..!

٣

ثمة جيش عرمرم، يقف على مشارف المدينة المحترقة، وراء الجيش أطلال مدن مدمرة، وجثث تتراصف واحدة جانب الأخرى، وتغادر الإطار.. على رأس الجيش فارس أسود، نظنه جنكيز خان، وهذا حق إلا إن كان شخصاً آخر يتنكر بهيئته، وجهه محتقن بالغيظ، هذا يفسّر مطيته المنحورة بسيفه، رمحه المكسور على الأرض، وإشارة تقهقره مع جيشه.. ربما لم يصدّق أن هناك من سبقه إلى تدمير المدينة، أو ببساطة لم يصدّق أن ثمّة أحد يفوقه وحشيةً..!

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن د. فراس محمد الحسين

د. فراس محمد الحسين
طبيب أسنان سوري، مواليد مدينة الرقة 1982، يهوى كتابة القصة القصيرة والقصيرة جداً، نشر في عدد من المجلات والمواقع الإلكترونية، وحاز على عدد من الجوائز الأدبية من اتحاد الكتاب العرب في سوريا، آخرها المركز الثاني في مسابقة القصة القصيرة للأدباء الشباب.

شاهد أيضاً

ليالي الرعب في الرقة

الغرفة شبه مظلمة، مصباح صغير يضيء المكان، يكاد يلف المكان صمتٌ مخيف، تتخلله دقات الساعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *