أعلنت وزارة الثقافة السورية بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار عن إتاحة فرصة الترشح لجميع العاملين في مؤسسات الدولة لملء شواغر إدارة مديريات لها في بعض المحافظات.
“فتح باب الترشح لمنصب مدير”، للوهلة الأولى بدا الأمر للبعض بمثابة دعابة إلا أنَّ الكتاب الذي نُشر على صفحة الوزارة في “الفيسبوك” والمذيل بتوقيع الوزيرة “الأخضر” أكد الخبر، ثم أنَّه ليس من عادة وزراء الحكومات المتعاقبة في بلادنا “مداعبة” الموطنين، إنما يباشرونهم في عتمة الليل بلا مقدمات، ولا يعطونهم فرصة حتى لفهم ما جرى، إلا أنَّ مثل هذا الإعلان غير المألوف في بلاد يتدافع ويتقاتل كثر لتبوء المناصب فيها، لما فيها من امتيازات مادية ومعنوية، قلب الصورة وكسر نمطيتها في الشكل، لكن كما قال وليم شكسبير: “العبرة بالخواتيم”، إذ لطالما بدت بعض المبادرات والقرارت والاجتهادات، قابلة للتطبيق نظرياً، جذابة الشكل، صافية النية، سامية الهدف وإن رأى بعض المتعجلين فيها “بدعة”، وهي كلمة حمالة أوجه بالمناسبة، وإن طغى عليها المعنى السلبي الذي لا يخفى على أحد، إلا أنّ نتائجها تأتي عكسية بسبب عقبات قد تواجهها وما أكثرها عندنا، فالعصي في بلادنا تفوق العجلات السائرة بكثير، وقد تثير الشك بين طرفين لا يثقان ببعضهما أصلاً، ويقفان على طرفي نقيض هما الحكومة والمواطنين الذين تسائل بعضهم في تعليقاتهم…
كيف سيتم الاختيار بين المترشحين المتساوين، وأي لغة أجنبية لها الأولوية، بما أن أحد الشروط المطلوبة “اتقان لغة أجنبية واحدة على الأقل”، ولماذا استبعد حملة الإجازة الجامعية في الإعلام من بين الجامعيين الذين يحق لهم الترشح لهذا المنصب؟
وكيف سيتم استيعاب من أقنعتهم زوجاتهم بالترشح للمنصب، وأنهم أحق من غيرهم بهذه الغنيمة فهي في أسوأ حال “بريستيج” اجتماعي، وهم غير قادرين على إدارة منازلهم، وكيف سيتلافى من دفعت بهم قيادتهم “الحزبية” للترشح وغالباً هم دون المستوى بكثير، وكيف سيُعامل “المستأنس” حزبياً، وهل سيستبعد لصالح الأكفأ رغماً عن الرفاق، فقد جرت العادة أن يُزكّي الرفاق من يرونه مناسباً لهم، من يلبي طلباتهم دون نقاش ومن يعكس “ثقافتهم” هم، باختصار من يستزلم لهم.. وهل ستسقط أفضلية الانتماء الحزبي الذي لم يعلن عنه ضمن شروط الترشح، أم سيظل مستتراً يُلوّح به كبطاقة حمراء في اللحظة المناسبة لتقديم مرشح على آخر.
في ظل كل هذا، كيف يمكن أن يقتنع المواطن أنَّ الذي اختير هو الأكفأ بين المترشحين، وهل سيكون بالإمكان تجاوز كل تلك العقبات لإعادة بناء الثقة بين الطرفين، وتفعيل ثقافة حاضرة وغائبة في آن معاً؟ حاضرة بجيش من الموظفين وميزانيات وإمكانيات وأنشطة لا تتوقف على مدار العام لكنها غائبة في المجتمع، بعيدة عنه كثيراً، ثقافة منفصمة لم تتمكن من إيجاد وسائل أكثر فاعلية للوصول إليه وجذبه كما ينبغي حتى الآن..
كم تمنينا ذلك بل وحلمنا به، لكن وكما قيل: “شمس بلادي وأعرفها”… والذي سيُولى في بلاد لا تجدي فيها “الانتخابات” لأنها لا توصل الأكفأ، ولا تفيد معها التعيينات لما فيها من محسوبيات واعتبارات بالتأكيد ليس بينها المصلحة العامة، لن يكون قادراً على فعل شيء، فهو إن دفع سيمضي سنواته في المنصب ساعياً لاسترداد ما دفعه مع الأرباح، وإن رفع سيصحو من سكرته في لحظة ما وينتقم من الثقافة والمجتمع.
في نهاية المطاف لا يمكن معرفة مدى صوابية الاختيار إلا بعد الإعلان عنه، وإن كنا لا نعرف من اختير عن قرب فليس بوسعنا سوى الانتظار والخضوع للتجربة لبضع سنوات كما جرت العادة، أعرف شخصاً عن قرب كان يكتبها “ثـاقـافـة” وشاء (القدر) أن يصير مديراً لأحد المراكز الثقافية الفرعية، ومن يدري قد يشاء القدر مرة أخرى ويجعله مديراً “للثاقافة” ولا غرابة في ذلك خاصة مع تخرج آلاف الجامعيين سنوياً ممن يكتبون كما يلفظون، فلا يميزون بين التنوين وحرف النون كأبسط مثال، وقس على ذلك من مآسٍ وكوارث نشاهدها كل يوم بفضل وسائل “التلاوص” الاجتماعي.
مجلة قلم رصاص الثقافية