وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى
لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ السريةِ ولا ظلٌ يسيرُ خلفك
بلا ظلالٍ أنت فتاتٌ فقف.
تُثيرُ ابتساماتُ العابثين بتفاصيلِ المكانِ شهوتَك كي تُغني
بُحَّ صوتُ القصب، ضياعٌ أنت يا صوتَ القصبِ
ربعُ عزيمةٍ يُعاندُها احتضارٌ و اختزالٌ وشبهُ انتماءٍ
على كفيك حاصلُ العمرِ صفرٌ وكثيرٌ من الأسى
و قافلةٌ الثلجِ والموجٍ تدبُّ على راحتيك كالشيحِ و طمي الفرات
ناديتَهَا فردَّ الصدى
وحيداً تجوبُ مفازاتِك كأنَّ السرابَ نَسْجُ اليمين
تنامُ سرةُ الأرضِ بين ضفتيك يساراً
تتوه سيوفُ الحاطبين وبقايا العشبِ الذي جفَّ مع الطلقةِ الأولى يُنَاديك
أقفلتْ أفراحَها حفلتُهم دون وليمةٍ للسوسن و السنونو و بقايا اليمام
افتحي!
قُلتَها ثم غفتْ تلك المدينةُ بين جراحَك ونَمَتْ حكايا الصامتين سنابك الخيل و الصدى
سئمتَ تراتيلَ الموتِ، والدفّانَةُ متعبون يركضون خلف النعش مطرودين
بلا حَنوطٍ دفنوك عند أولِ منعطفٍ ثم صلوا عليك حيارى بلا وضوءٍ
صَحوتَ حين غادروك، ضربت سقف الوجد.
هنا
تُصارعُ الليلَ والأشباحَ والصمتَ الثقيلَ واسمها المحفور على الغيمِ وخيط الخيانة
لا سواك في الشارعِ الطويلِ المترعِ بالأهوالِ وجثثِ الغرباء الباحثين عن الغد المخصي والوعود
أنتَ و الأشجارُ وحقلُ ألغامِ الذكرياتِ و سيلُ الندم.
ها أنت هنا تعدُّ الرصاصَ والضجيجَ و أناتِ العالقين تحت المطر
رجالُ الوهنِ و الوهمِ واجمون
طرحتَ سؤالك مرتين وما سمعوا وإنْ سمعوا فما عادوا وما رجعوا
فلا تزرعن على دربهم ريحانةً ولا عيوناً
من يُجيبُك سوى الرذاذ؟
واقفاً مبتورةٌ هي الأحلام والخلاصُ خلفَ التلالِ يمدُّ رأسه حين يغيبُ القمرُ
ونجمتُك يُسقِطُها الصفيرُ وبياناتُ الهزيمةِ تلو الهزيمة.
هناك يحتشدون ورقاً وعويلاً وأشياءَ تشبه الزبد وسليل الماء مشغولٌ بنسبه
وعلى رأسك تمشي مزهواً
تحرسُ السورَ والنهرَ والمآذنَ وقبورَ الأولياءِ وبيت الخليل
قديّسٌ ظننت نفسك أم نبيٌ خانه قومُه حين استحى ثم غفا
هل نسيتك الخطايا؟
أم أّنّ وجدك صوفيٌ أضاعته الحضرةُ فانتشى غريباً بلا دراويش؟
تركوك مجدوراً و”شير” يبحثُ عن رائحةِ الخيامِ ويشدو
“هلي يا أهل المحمّاس والبري جاي”
هي الريحُ نادتك، أجبْها كي يستقيمَ المقامُ
نعم!
هي الريحُ التي لها بابان و وشمٌ و حمحمةُ أصيلٍ وشهوةُ أنثى
كتائبٌ من الرمالِ تخاتلك
و الأحجياتُ تغازلُ حيرتك
كيسُ ودعٍ غجري يمدُّ جشعَه نحو رأسك المحشو بالتضاد
وعجوزٌ تطشُّك بين عينيها أصابعاً من نزقٍ
هنا الصفصافُ والتوتُ وثوبها الأنيقُ
والبيتُ يبكي حجارته، ينوحُ كلّما هسَ همسٌ وانتكس
هلْ مرّوا من هنا؟؟
تسألُك القهوةُ المرةُ ودلتُها الثكلى تصفعُ فنجانَها المثلوم على جبهةِ الرضيع
للريحِ طريقان من ضبابٍ
واحدٌ يوصلك إليك خلسةً
والثاني إلى حُضنك يسيرُ، فاستبقْ إيهما تُطيقُ أو لا تُطيق
للريحِ نافذةٌ تُطِلُ على مقاهٍ عتيقةٍ أعارَت أسقفاً للنارِ والدخان ولعاب الأحجيات
اتعبتُها الوجوهُ العابرةُ ورائحةُ الغائبين
للريحِ ميقاتٌ تعرفه “أم الغيث” وسكّارت البليخ اللواتي خطفن بضائع “الحواجين”
وللوقتِ أناملُ من جمرٍ تتفقدُ ما تبقى
أصابعٌ تخدشُ وجه الماءِ كي تضلَّ النوارسُ ترفرفُ من بعيد
وحيداً تنامُ ملءَ يقظتك وعيناك محطتانِ للرحيلِ نحو الضياع
يفتُ التيهُ كبدَ البقاء على وشك الانتهاء من ترتيب الرحلة الأخيرة
دائمةٌ حالتك المؤقتةُ، مؤقتةٌ حالتك الدائمةُ
لا أحدٌ يوقفُ شهيقَ النفقِ والسراديبِ والنسوةِ.
وحيداً تركوك حين رحلوا بلا مواعيد
غادروا مع الفجرِ يقطفون الظلَ والطريقَ وزوارقَ التيه
تركوا الباب موارباً كي تدخلَ الشمسُ ذات صحو
يقلّبونك ذات الحنين وذات الأنين
وجُرحُك باسطٌ نَزْفَهُ وسط الخراب والوعود الكاذبة
وحيداً ينتظرُك الجسرُ، يمدُّ ظهره لعلهم يعودون من متاهات الضباب.
مجلة قلم رصاص الثقافية