حوار: عبد الرزاق العبيو |
إبراهيم الخليل، أحد أهم الأسماء الأدبية في سورية، وُلد في مدينة الرقة عام 1944، ودرس الابتدائية في مدرسة سيف الدولة، ثم الثانوية في ثانوية الرشيد والتي كانت الوحيدة في المدينة، وكان الخليل من الدفعة الأولى التي تخرجت منها، ثم تابع دراسته الجامعية في جامعة دمشق كلية الآداب قسم اللغة العربية، وعاد إلى الرقة فعمل في التدريس، وكتب في مختلف الأجناس الأدبية قصة وشعر ورواية ونقد وله عناية خاصة في الأدب الصوفي، كما اهتم بأدب الأقواميات الأخرى من الأرمن والاكراد والشركس السوريين، كما كتب النصوص العابرة للأشكال ومجموعته الأخيرة “سينوروهات الجسد” تعنى بذلك، وهي أول مجموعة تصنف بالكامل بنص عابر للأشكال، ويقول دائماً أن الرواية أقرب الأشكال الأدبية إليه، لأنها قصيدة القرن الحادي والعشرين. الخليل عضو اتحاد الكتاب العرب، ومؤسس جماعة “ثورة الحرف” قبل بضعة عقود إضافة إلى عدد من الأدباء الرقيين الشباب.
مجلة قلم رصاص الثقافية التقت الأديب في منزله في مدينة الرقة، وكان هذا الحوار:
– في كتاباتك تركز على ثلاثة : الرقة – الفرات – المرأة ماذا تعني هذه الثلاثية لإبراهيم الخليل الكاتب؟
الرقة المكان الواقع بوابة للجزيرة الفراتية، وهي من أقدم المدن في العالم وليس في الشام، عرفت المسكن الأول في مريبط، والمجتمع المدني الأول حين طرد سرجون الآكادي الكهنة من المعابد واستبدلهم بقضاة مدنيين، وحين زار معبد دجن في الرقة قدم هداياه وأضحياته، فأعطاه الساحل السوري وأرز لبنان ولقب “شيركون” أي الشرعي، كما عرفت الأيقونة والأديرة وفي رصافتها أعظم كاتدرائية ما زالت أطلالها قائمة.
وتغير شفعاء الرقة مع تغير كل مرحلة، ففي الوثنية كان شفيعها دجن إله الخبز ولازال الأهالي يقدسونه ويطلقون على الطعام دجن. وفي المسيحية كان شفيعها مارزكا، وفي المرحلة الإسلامية كان الولي أويس القرني.
أما عن الفرات فهو شريان الحياة وسبب الحضارات، والمرأة؛ لا نص بلا امرأة ألا يعني ذلك شيئاً لمن يريد أن يكتب.
ـ يلاحظ كل من يقرأ أدب إبراهيم الخليل عنايته الفائقة باللغة، لماذا كل هذه العناية والعرفان والبحث عن الجديد؟
لم تعد اللغة وعاء للمعنى فحسب فمع نظريات الحداثة والتجديد خرجت لتكون جزءاً أساسياً من العمل الأدبي، بداية من العنوان واستراتيجيته ومن البلاغة إلى العرفان والتأويل أي توليد لغة ومعان جديدة من اللغة حيث الظاهر والباطن والانزياحات وتجاور المتغايرات باستخدام طاقات حداثية نجدها في تراثنا اللغوي (ابن جني والسيوطي أنموذجا).
كما نجد ذلك في نصوص “ألف ليلة وليلة” من حيث طريقة القص والسرد في الفرائدية في الأمكنة والمخلوقات وأدب الرحلات ومواكبة النثر والشعر في النص الواحد. ألا يدعو ذلك إلى العناية في عالم مقفل كالرقة؟
– آخر كتاب أصدرته سيناريوهات الجسد نصوص عابرة للأشكال ماذا تريد من وراء ذلك؟
تعبير نصوص عابرة للأشكال موجود في أعمال متفرقة، ولكنني أعتقد بأنه لم توجد في كتاب جمعت فيه هذه النصوص.
كما أعتقد تحت عنوان خارج الرواية والقصة والشعر والمسرحية قبل كتابي إنها محاولة لتأكيد هذا النوع من الكتابة الجديدة التي تستفيد من كل الأجناس ولا تنتمي إلى جنس محدد، لكن شرطها أن يكون عند الكاتب خبرة في هذه الأجناس.
– أين أدب المرأة في الرقة، وبالتالي في المشهد الثقافي السوري؟
الأدب في سوريا أدب ذكوري بامتياز، مع ذكر بعض الأسماء النسوية مثل ( غادة السمان – كوليت خوري – إلفت الإدلبي – انيسة عبود) وسواهن، أما في الرقة والجزيرة السورية فالأسماء تكاد تغيب عن الساحة الأدبية، والسبب شارك فيه الرجل والمرأة معاً، لولا بعض الأسماء التي كتبت ونشرت وتتابع اليوم الكتابة ومنهن في الجزيرة (تروندا منديل – فيروز رشك – شهلا العجيلي – هناء الصلال) وسواهن.
– الرقة عاصمة القصة القصيرة، هل أنت مع هذا القول؟
نعم كانت في السبعينات عاصمة القصة القصيرة التي تعنى بها الأطراف الريفية البعيدة عن المراكز مع القصيدة، بل أقول شاركت الرقة بكل وجوه الثقافة، من فن تشكيلي، ومسرح، علماً أن أول عمل مسرحي وهو (ذي قار) لعمر أبو ريشة قدمه زهير النعساني في الرقة عام 1935، إلى الشعر ويعد إبراهيم الجرادي من أهم المجددين في القصيدة، وفي القصة القصيرة خليل جاسم الحميدي، إضافة إلى النقد والرواية عبدالله أبو الهيف وإبراهيم الخليل وعمر الحمود. الا يستحق ذلك نظرة أوسع تستحقها الرقة؟
– تعد الرقة كما الجزيرة هويات مختلطة ما أثر ذلك في أدبك؟
تعد الرقة أكثر مدن الجزيرة منذورة للخراب، ومع ذلك تعاود الرجوع إلى الحياة كالعنقاء، وقد ظلت المدينة المركز خرائب مهجورة والطرق إليها خطرة غير آمنة يهددها الحناشل والجلالية حتى جاءت أسر من الشمال أسست للحياة في المركز من عرب وأكراد ثم جاءت رحلات متتابعة شركس وشيشان وبني المخفر لتأمين الناس ثم جاء الأرمن في السوقيات تبعهم سكان من قرى حلب وضواحيها ثم من حوران وأخلاط من إثنيات أخرى فكانت لوحة فسيفساء اندمجت في مجتمع واحد حتى لو سقط حجر واحد تشوهت اللوحة.
هذه هي الرقة في بداياتها هويات مختلطة وثقافات متعددة في نسيج واحد، وككاتب كنت أمام تراث لم تقربه الكتابة، بل كان المكان سلة وبترولاً، وقد انطلقت في كتابة مشروع أدبي عن الأقواميات والتحولات الاجتماعية مثل “الهدس” عن الأرمن و”حارة البدو” و”سودوم” عن البدو والنور، والبحث عن المسيحيين السوريين و”حارس الماعز” عن المدينة قبل الأعمار و”صيارفة الرنين” عن التصوف والسلطة المملوكية كل التراث لم يكتب عنه كثيراً، وما كتب عن المغمورين وحرب تشرين كان لإرضاء السلطة.
– أسماء تعتبرها ايقونات أدبية؟
إبراهيم الجرادي في التجديد والحداثة كتبت معه ديوانا مشتركاً (موكب من رذاذ المودة والشبهات)
خليل جاسم الحميدي في القصة القصيرة، ولم يكتب سواها في الأدب.
عبدالله أبو الهيف في النقد الأدبي.
إبراهيم الخليل، وأزعم أني كتبت في كل الأجناس وتظل الرواية المفضلة، فهي قصيدة القرن الحادي والعشرين.
– جمعية “ثورة الحرف” أول تجمع أدبي في المنطقة ماذا تحمل عنه؟
“جمعية ثورة الحرف” جماعة أدبية أولاً وأخيراً، قام بها مجموعة من الطلاب في منتصف ستينيات القرن الماضي كتعبير ساذج عن الخروج بالأدب من الفردية إلى التجمع ومن المركز إلى الأطراف، ومن الأسماء الذين التزم بالتجمع إبراهيم الخليل رئيساً، وإبراهيم الجرادي سكرتيراً، وأعضاء عبدالله أبو الهيف وخليل جاسم الحميدي ورشيد رمضان وعبدالفتاح الفندي ومحمد سطام العيسى، والثلاث الأخرون لم يستمروا، وعدا عن الحوارات الأدبية والمطالعات المشتركة جرت معركة أدبية امتدت من سوريا إلى لبنان ففي محاضرة للعجيلي في لبنان كعادته عن القصة القصيرة، وكان يقدمه محمد عيتاني الذي يحسب على اليسار عرض لقصة عبدالله أبو الهيف (الرجل الذي نسي عيد الميلاد)، وعاب عليه كتابتها حتى أخرجها عن شروط القصة، المعركة والجمعية لم ترد للأسف في الأدبيات السورية.
– ماذا تنصح الكتاب الجدد؟
الكتابة عمل فيه 99% اجتهاد، وأيضا 99% موهبة، ولا يمكن أن تنجز نصاً مهماً دون وجود الاجتهاد والموهبة معا، والأدب احتراف وليس هواية، وللأسف ما يقوم به الادباء الشباب ليس أكثر من هواية. مهم جدا في حياة الأديب أن العالم دائماً في الأدب يبدأ من عتبة بيتك لا من المدن الأخرى.
مجلة قلم رصاص الثقافية