إذا كان المقصود بالعدم، انعدام الوجود المادي أو العقلي أو الأفلاطوني أو أي كيان آخر من أي نوع، عندها لا يمكن الاعتقاد بوجود الإله أو الآلهة. مما يعني استحالة وجود أي شيء خارج اللا شيء لخلق شيء ما. وهذا ينفي الحجة اللاهوتية المسيحية التي تقول بخلق الله للكون من اللا شيء.
فوفقًا للترجمة الإنجليزية لسفر التكوين 1:1 ورد فيه: “في البدء خلق الله السموات والأرض”.
إلا أن هذا يعد مضللًا؛ فالدراسات الأخيرة اقترحت معنًى آخر أكثر دقة للفعل العبري «بارا-ברא» الذي تُرجم سابقًا على أنه الفعل خَلق، وكانت الترجمة المقترحة هي “فصل أو قسّم.”
لذا يجب قراءة سفر التكوين كالآتي: «في البدء فصل الله السموات والأرض». إلا أنه لم يذكر مما سيفصلان.
ـ ما رأيك بهذه المعلومات؟
هذه المعلومات تحتوي على بعض النقاط الصحيحة والبعض الآخر المثير للجدل. دعني أوضح بعض النقاط:
- فكرة الخلق من العدم (ex nihilo) هي موضوع فلسفي ولاهوتي معقد. هناك جدل كبير حول إمكانية الخلق من العدم المطلق.
- الاستنتاج بأن عدم وجود أي شيء يعني استحالة وجود إله هو استنتاج فلسفي غير مؤكد. هناك فلاسفة ولاهوتيون يجادلون بإمكانية وجود الله خارج نطاق الوجود المادي.
- الترجمة التقليدية لسفر التكوين 1:1 هي بالفعل “في البدء خلق الله السموات والأرض”.
- هناك بعض الدراسات الحديثة التي تقترح ترجمات بديلة للفعل العبري “بارا” (ברא)، لكن هذا موضوع جدلي بين العلماء وليس هناك إجماع واسع على تغيير الترجمة التقليدية.
- فكرة أن “بارا” تعني “فصل أو قسّم” هي واحدة من التفسيرات المقترحة، لكنها ليست الوحيدة ولا الأكثر قبولاً بين علماء الكتاب المقدس.
- التفسير المقترح “في البدء فصل الله السموات والأرض” هو تفسير ممكن، لكنه ليس التفسير الوحيد أو الأكثر شيوعاً.
في النهاية، هذه المواضيع هي محل نقاش وجدل مستمر بين الفلاسفة واللاهوتيين وعلماء الدين. من المهم الاطلاع على مختلف وجهات النظر والدراسات قبل الوصول إلى استنتاجات نهائية.
ـ أعتقد أن الفعل العبري بارا مقصود به الفصل والتقسيم، لأن القرآن وهو لاحق للتوراة وقد أخذ منها الكثير يتحدث عن فتق السموات والأرض!
نقطة مثيرة للاهتمام. دعني أوضح بعض الأمور المتعلقة بهذا الموضوع:
- صحيح أن القرآن جاء لاحقًا للتوراة، وهناك بعض القصص والمفاهيم المشتركة بينهما. ومع ذلك، فإن العلماء يختلفون حول مدى وطبيعة التأثير المباشر.
- الآية التي تشير إليها في القرآن هي على الأرجح من سورة الأنبياء (21:30): “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا”. وهي بالفعل تتحدث عن فكرة الفتق أو الفصل.
- مع ذلك، فإن تفسير هذه الآية وعلاقتها بنظريات الخلق أو نشأة الكون هو أيضًا موضوع نقاش بين العلماء والمفسرين المسلمين.
- فيما يتعلق بالفعل العبري “بارا” (ברא) في سفر التكوين، فإن تفسيره بمعنى “فصل” أو “قسم” هو واحد من التفسيرات المقترحة، لكنه ليس التفسير الوحيد أو الأكثر قبولًا بين علماء الكتاب المقدس.
- من المهم ملاحظة أن اللغات السامية (العبرية والعربية والآرامية وغيرها) تتشارك في العديد من الجذور اللغوية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن المفاهيم أو التفسيرات متطابقة تمامًا.
- التشابه بين المفاهيم في النصوص الدينية المختلفة يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل، منها التأثير المتبادل، أو الأصول المشتركة، أو التفسيرات اللاحقة.
في النهاية، هذه المواضيع معقدة وتحتاج إلى دراسة متعمقة من منظور لغوي وتاريخي وديني. من المهم الاطلاع على آراء العلماء والباحثين المتخصصين في هذه المجالات للحصول على فهم أكثر شمولية.
ـ لكن من يصنع المفهوم غير الانسان؟ وهل توجد جوهرانية في المفردات؟ لا أظن!
نقاط عميقة تطرحها. دعنا نفكر فيها:
- صناعة المفاهيم:
المفاهيم في الأساس هي بناءات بشرية. نحن كبشر نصنع المفاهيم لفهم العالم من حولنا وتنظيمه. لكن هذا لا يعني أن كل المفاهيم اعتباطية تمامًا. فبعضها قد يعكس أنماطًا موجودة في الطبيعة أو في تجربتنا الإنسانية المشتركة.
- الجوهرانية في المفردات:
أتفق معك في التشكيك بوجود جوهرانية مطلقة في المفردات. اللغة هي نظام رمزي متطور، والعلاقة بين الكلمات ومعانيها غالبًا ما تكون اعتباطية ومتغيرة عبر الزمن والثقافات.
- تطور المعاني:
المعاني تتطور مع الزمن وتختلف باختلاف السياقات الثقافية والتاريخية. ما نفهمه اليوم من كلمة قد يختلف عما فُهم منها قبل آلاف السنين.
- السياق التاريخي والثقافي:
عند تفسير النصوص القديمة (دينية أو غيرها)، من المهم أخذ السياق التاريخي والثقافي بعين الاعتبار. المفاهيم التي نستخدمها اليوم قد تكون مختلفة عما كان يُفهم في وقت كتابة النص.
- تعدد التفسيرات:
هذا يقودنا إلى فهم لماذا يمكن أن تكون هناك تفسيرات متعددة ومختلفة للنصوص القديمة. كل جيل وكل ثقافة قد تقرأ النص بعدسة مختلفة.
- الحذر من الإسقاط:
من المهم أن نكون حذرين من إسقاط مفاهيمنا الحديثة على النصوص القديمة. ما نفهمه اليوم من “خلق” أو “فصل” قد يكون مختلفًا عما كان يُفهم في الماضي.
في النهاية، هذه الأسئلة تقع في صميم الفلسفة اللغوية وفلسفة العلم. إنها تدعونا للتفكير النقدي في كيفية بناء معرفتنا وفهمنا للعالم، وكيف نتواصل حول هذه الأفكار عبر اللغة والزمن.
ـ لا أقصد أن مصطلح الانقسام صالح لتفسير الخلق.
أقصد أن الكتب الدينية مؤلفات بشرية تم توارثها كما تتوارث الأساطير الأخرى وتم تقديسها لتصبح دستور آلهة مختلفة، أعداء لبعضها البعض!
أفهم وجهة نظرك الآن بشكل أوضح. إنها رؤية نقدية مهمة للنصوص الدينية والتراث الديني. دعني أتناول بعض النقاط التي أثرتها:
- النصوص الدينية كمؤلفات بشرية:
هذه وجهة نظر يتبناها العديد من الباحثين في مجال الدراسات الدينية والتاريخية. فكرة أن النصوص الدينية هي نتاج ثقافي وتاريخي بشري هي موضوع بحث وجدل مستمر.
- توارث النصوص والأساطير:
صحيح أن هناك أوجه تشابه في كيفية انتقال النصوص الدينية والأساطير عبر الأجيال. هذا التوارث يمكن أن يخضع لتغيرات وتفسيرات مختلفة عبر الزمن.
- تقديس النصوص:
عملية تحول النص من مجرد كتابة إلى نص مقدس هي عملية معقدة تتضمن عوامل اجتماعية وسياسية وثقافية.
- الآلهة المتنافسة:
فكرة وجود آلهة متنافسة أو متعارضة هي ظاهرة موجودة في العديد من الثقافات والأديان، وتعكس غالباً الصراعات والتوترات البشرية.
- النظرة النقدية للنصوص الدينية:
هذه النظرة التي تقدمها هي جزء من تيار فكري أوسع يدعو إلى دراسة النصوص الدينية بشكل نقدي وتاريخي، بدلاً من قبولها كحقائق مطلقة.
- تنوع التفسيرات:
هذه الرؤية تفسر أيضاً لماذا نجد تفسيرات متنوعة ومتعارضة أحياناً للنصوص الدينية نفسها.
من المهم أن نتذكر أن هذه الآراء، رغم أهميتها في الدراسات النقدية والتاريخية، هي موضع جدل كبير ورفض من قبل العديد من المؤمنين الذين يرون في نصوصهم الدينية وحياً إلهياً.
هذا الموضوع يثير أسئلة عميقة حول طبيعة الإيمان، ودور الدين في المجتمع، وكيفية فهمنا للتاريخ والثقافة. إنه مجال خصب للنقاش والبحث المستمر.
ـ ألا يعد وجود آلهة متعددة مختلفة ذات متطلبات متعارضة في الطقوس والعبادات دليلاً عقلياً على بطلان فكرة وجود خالق رئيسي؟
سؤالك يثير نقطة مهمة وعميقة في فلسفة الدين والأنثروبولوجيا الدينية. دعني أقدم بعض الأفكار حول هذا الموضوع:
- تنوع المفاهيم الإلهية:
صحيح أن وجود آلهة متعددة بمتطلبات متعارضة يثير تساؤلات منطقية. هذا التنوع يمكن النظر إليه كانعكاس للتنوع الثقافي والتاريخي البشري.
- التفسير الأنثروبولوجي:
يرى بعض الباحثين أن تعدد الآلهة وتنوع متطلباتها يعكس احتياجات وظروف المجتمعات المختلفة التي أنتجت هذه المفاهيم.
- الحجة الفلسفية:
يمكن اعتبار هذا التنوع كحجة ضد وجود إله واحد عالمي، لكن هناك من يجادل بأن هذا التنوع قد يكون مجرد تفسيرات بشرية مختلفة لحقيقة إلهية واحدة.
- نظرية التطور الديني:
بعض النظريات تقترح أن الأديان تطورت من تعدد الآلهة إلى التوحيد، مما قد يفسر وجود هذا التنوع.
- النسبية الثقافية:
يمكن النظر إلى هذا التنوع كدليل على أن المفاهيم الدينية هي بناءات ثقافية نسبية وليست حقائق مطلقة.
- الجدل الفلسفي:
هذه النقطة تثير جدلاً فلسفياً حول طبيعة الحقيقة الدينية وإمكانية وجود حقيقة موضوعية في المجال الديني.
في النهاية، بينما يمكن اعتبار هذا التنوع كتحدٍ لفكرة وجود إله واحد عالمي، فإن تفسير هذه الظاهرة يعتمد على الإطار الفلسفي والمنهجي الذي نتبناه في دراسة الدين والثقافة. هذا الموضوع يظل محل نقاش وجدل في الأوساط الأكاديمية والفلسفية.
مجلة قلم رصاص الثقافية