لكم أعجبني ذاك الوصف الذي قرأته يوما ما في مقالة أو كتاب نسيتهما الآن، أعجبني لأنه يتحدث عن الرئيس الراحل “هواري بومدين “و عن السينما، حيث أن الرئيس هواري بومدين كان رئيسا “سينفيليا”، وعلى المتاح المجازي للتوصيف الجميل؛ على القدر نفسه جاءت أحقيته كتوصيفِ لائق بما للمشروع السينمائي “البومديني” من فضل في سنوات العقد الستيني وما تلاه.
لقد صدق الوصف عندي لما قرأت عنه في قصص إنتاج الأفلام الجزائرية الكبيرة “وقائع سنين الجمر” وفيلم “زاد” والأفلام الأخرى “رحلة المفتش الطاهر” و”العفيون والعصا” كانت طفرة سينمائية على كل الأصعدة الفنية وكذا على مستوى الكتابة والأثر الفيلمي الكبير والخالد في أرواح الجزائريين المجروحين، وهم يخرجون من ظلم فرنسي استعماري كبير.
وحدها السينما والقصة الفيلمية استوعبت جراحه بعنايةِ واقتدار، حتى غدت الستينات والعقود الثلاثة الأولى لما تلا الاستقلال قطعا فليمية مبهرة وقاطعة للأنفاس عما جرى، وغدت واحدة من أفلام سينما العالم الجديد العائد، متحررا من قيود الإمبريالية والاستعمار، كان كل ذاك ما قرأته وما سمعته يروى عن حقبة لم أعشها.
لكنني رأيت رئيسا آخر يبدي الانشغال نفسه بالسينما والفيلم الجزائري، رأيت رئيسا هو الآخر بدا لي “سينيفيليا”؛ لم يرواغ في قيمة ومكانة السينما فإن كان “هواري بومدين” الرئيس السينفيلي الأول فإن “عبد المجيد تبون” الرئيس السينفيلي الثاني فى الجزائر، لتغدو معهما الجزائر الوطن الذي ضم في تاريخها رئيسين سينفليين.
بين هذين التشبيهيين ترتمي السينما الجزائرية على ضفاف من سلاسل طال أمدها من الأزمات والانحدارات بعد النجاحات والتتويجات، ترتمي في منحنى بياني شكلولي يحتسب بالعقود والسنوات، وقد بلغت أزمة السينما الحناجر عند التسعينات وتوالت بانطفاء شعلتها وخروج الإنتاج في تهديد قاتل للسينما وحل لمؤسسات حكومية كانت معنية بالإنتاج الفيلمي والسينمائي ولم يكتفي فقد طال الإهمال للقاعات وقد غدت سريعا مطاعم ونوادي شاي وانقسمت ملكيتها ما بين حوزية محلية بلدية وبين حوزية وزارية إلى أن ضاعت تماما، وتلا النزيف إلى هجرة بعض الفنانين وإذ بطبقة الفنانين وكأنها لم تكن، ولم يكن ذاك الترك للفنانين متقصدا بقدر ما كان من وطأة الأزمة التي فرضت على الجزائر في ذاك التاريخ البعيد.
ولأنه لا شيء يدوم فقد توالت الأيام وجاءت الجزائر الجديدة بعد الحراك الشعبي المبارك لتطل السينما كأحد أهم المطالب و القطاعات المطلوب سريعا الاشتغال فيها و فك أزمتها و الانطلاق في إعادتها إلى حضن المجتمع وللفنانين ربما هو المشروع “الإحيائي للسينما ” أو المشروع البعثي للسينما أو ربما هو المشروع ” النهضوي للسينما في الجزائر ” كلها تسميات تليق بما يجري.. فقد عادت السينما في الخطاب الرئاسي مركزية على الاهتمام بها وعلى عودتها إلى الممارسة في حرية وبلا قيد على الإبداع فقد قال الرئيس السينفيلي أن لا قيد على الفنان ولا شروط على الإبداع سوى حقوق الوطن وتاريخه و شهدائه الأشراف.
لم أكن أعتقد أن رئيسا آخر في الجزائر سيأتي سينفيليا بعد الرئيس الراحل “هواري بومدين” لكنه جاء كأشياء كثيرة يحاول أن يقولها لنا التاريخ و علينا استيعابها كقدر السينما الجزائرية أن تعود كما كانت ضمن رؤى عصرية وبعد تجارب مريرة زادت من استيعاب قيمة السينما كأداة تثقيفية وتعبيرية وملحة للأجيال الصاعدة إلى أيامها المنتظرة.
مجلة قلم رصاص الثقافية