الرئيسية » مبراة » المرأة الدجاجة!

المرأة الدجاجة!

“المرأة الدجاجة” لقد سمعت هذا المصطلح من الأديب السوري الراحل حنَّا مينا، ورغم ما يمر به العالم من تطورات وتغيرات سريعة يبدو جلياً أن هذه الدجاجة عفواً المرأة أو “المرأة الدجاجة” ما زالت طموح كل ذكر في المجتمعات “الديكية”، فهو كي يشعر بـ”ديكيته” لابدَّ له من دجاجة أو عدة دجاجات فما الضير في ذلك إن كان يستطيع النقر.

يبدأ الذكر بممارسة “ديكيته” على “دجاجات” منزله أولاً، أحياناً أمه وغالباً شقيقاته فهو الذي يأمر وينهي مقلداً لما حوله من “ديوك”، فيرفع صوته ويصرخ في وجه من حوله، ومن تفكر بالرد قد تتلقى لطمة أو أكثر وأحياناً من “متديك” أصغر منها في السن، وبالتالي لا يشعر أنه يفعل شيئاً غير طبيعي فهو “ديك” يعيش في بيئة “ديكية”، تقف إلى جانبه وتُلقي باللوم على الدجاجة التي تفكر بالرد أو الاعتراض أو الاحتجاج.

ويؤهل هذا “التدجيج” الأنثى للانتقال في مرحلة لاحقة إلى “قن” الزوجية وهي “دجاجة” مستسلمة لنقرها ونتف ريشها كلما سنحت الفرصة لديكها، ويا لعارها إن حاولت الدفاع عن نفسها بمقاومة النقر والنتف أو الرد بمثله، فهنا تعتبر قليلة “دجدجة” لأن الدجاجة كاملة “الدجدجة” هي التي تُنقر وتنتف ومن “تم ساكت”، وإن لم تفعل ستُعاد إلى أهلها كمكنة فيها عيب، كي يكملوا “دجدجتها” ومن ثم إعادتها إلى “قن” ديكها وهي صاغرة.

وعندما تقوم الأم أو الأخت بدور الخاطبة وتعاين “البضاعة” كـ”مفتش جمركي” غالباً تركز على الصفات الجسمانية بينما تغفل الصفات النفسية والتي تكون بطبيعة الحال صعبة الكشف إلا بعد المعاشرة، إضافة إلى أن ظاهرة الأنثى الدجاجة كانت هي السائدة والرائجة في المجتمع الديكي خلال تلك المرحلة، وغالباً يعبر عنها بالقول: “الها تم ياكل ما الها تم يحكي”، لأن الأنثى لا يحق لها حتى الكلام، لأن من تتكلم اليوم قد تنقر غداً، وتظل المشكلة أن من تقدم هذا الوصف كإطناب في المديح هي أنثى أيضاً، لكنها أنثى دجاجة وتبحث عمن تشبهها، لذا هي تصف أي أنثى مخالفة للسائد على أنها ديك، وبالتالي لا يمكن اجتماع ديكين في قن واحد. 

يعتبر المجتمع الديكي شريكاً رئيساً في “دجدجة” الأنثى، ويحرص على ذلك كي تظل الكلمة العليا فيه للديوك، فيهاجم الأنثى، ويحاول إقناعها مستدلاً بالأعراف وبالشرائع بأنها خُلقت لتكون هكذا وإن لم ينجح بذلك، يفرض عليها أن تكون دجاجة لاعتبارات كثيرة، أهمها أن يشرّع للديك نقرها كلما رأى أنها بحاجة إلى ذلك، فالأنثى لا يجب أن يرتفع صوتها أو تبدي رأيها وإلى مرحلة ليست بعيدة حتى في زواجها، وإلى الآن يعيب عليها أن تحب أو أن تتزوج من عشقته فيرفض ديوك العائلة تزوجيها بمن تحبه، ويزوجونها بمن لا تهواه أو حتى تكرهه، ولعل أفظع أشكال “الديكية” هي إصرار الذكر على الزواج بأنثى حتى بعد معرفته أنها تهوى ذكر آخر، هذا العيب هو نتاج مجتمع “ديكي” يجب أن تكتم “الدجاجة” فيه حبها؛ بينما يفاخر كل “ديك” فيه بكم الدجاجات التي مرت في “قنه”. 

غالباً يخشى الذكر في المجتمع الديكي التخلي عن “ديكيته” وإن رغب بذلك، لأنه سينقر من ذكور “ديكيين” آخرين ويُتهم بـ”التدجدج”، كما تخاف الأنثى في ذات المجتمع كسر حاجز “الدجدجة” لأنها ستنقر بدورها من الذكور الديكيين ومن الإناث “المدجدجات” على حد سواء، وسينظر إليها على أنها حالة شاذة وأنثى “مستديكة”، وهذا يعتبر من المحرمات في المجتمع الديكي، لاسيما أنَّ بعض الإناث المتخلصات من “الدجدجة” ممن لم يعرفن كيف يعشن بشكل طبيعي ومتوازن ويتخلصن من تبعات ماضيهن الدجاجي، يستديكن معبرات عن رغبة داخلية بالانتقام من هذا المجتمع الديكي، مما يؤثر على إناث آخريات يرغبن أيضاً بالتخلص من “الدجدجة” لكنهن في المقابل يخشين من مصير مشابه ألا وهو “الاستدياك”.

خلاصة القول، منذ أن فقدت الأنثى عرشها وقداستها لصالح الذكر الذي اكتشف بالمصادفة أنه شريك فاعل للأنثى في عملية التناسل، ثم اعتبر نفسه الفاعل في كل ذلك، كرَّسَ كل طاقته لإبقاء الأنثى تحت هذا السقف الجديد الذي يختلف ارتفاعه بين مجتمع وآخر بين بيئة وأخرى، لكنه ومهما ارتفع يظل واطئاً لتحبس الأنثى تحته باعتبارها “عار” الذكر الذي يلاحقه في مجتمع “ديكي” ستظل الأنثى “عورة” ومكسر عصا فيه، ويعاب عليها حتى رفع صوتها فيه، لأن نقنقة الدجاجة مكروهة، وصياح الديك مشروع كوكوكوووو.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *