تباغتنا حُمّى الاعتيادْ
والتماهي مع السِّياط والأصفادْ
والتأقلمِ مع الأشلاء الممزقةْ
وإيلافِ الغرفِ المظلمةِ والعظام المطقطقةْ
واجترارِ الأمجادِ والأحقادْ
…
تباغتنا حُمّى الاعتيادْ
والتناغم مع صراخ الأطفال تحت الركام
والتآخي مع الأنقاض… والانقيادْ
تنهارُ أعمدةُ الروحِ…. مع انهيار أعمدة المنازلْ
وتنتصر نسخةُ الآيفون الجديدةُ على احتراق وجه البلادْ
وينتصر السمسارُ وينتصر المقاولْ
كما انتصرتْ على كفِّ المسيحِ المطارقُ والوشاةُ والأوتادْ
…..
عيوني مقلوعةٌ… لا أرى!
وأذنايّ مشلوعتان
أركضُ في الظلام والصمت
لأهربَ من خيال المجزرةْ
فتقطعُ يدي قذيفةٌ
وتهرسُ قلبي مجنزرةْ
أتفقَّدُ حبالي الصوتية
أبحث بأسناني عن لساني
كومةُ خيبةٍ مبعثرةْ
ولا نارَ تنبعث من تحت الرمادْ
…..
يصرّح مصدرٌ مسؤولٌ رفيع المستوى:
اربطوا بعضَهُ بالمروحةْ
أغلقوا على بعضِهِ أبوابَ المشرحةْ
علَّه يألفُ رائحة الجِيفْ
أعيدوه قرنين من الزمن
جرّوه من سوق الحميدية إلى النجفْ
جربوا عليه كلَّ أصناف العذاب
جربوا عليه كلَّ أنواعِ الأسلحةْ
إذا مات اقتلوه!
وأخلوا سبيله حين يعتاد المذبحةْ
وسلّموه على باب الزنزانة شعارات الأمّة
وصورةً عالية الدقّة للقُوّادْ
(وافتح إن شئت قافها)
………..
يغرفُ المرابون من لحمي نصفَ رطلٍ
ويصفِّقُ أخوتي فرحَ النجاة من السدادْ
يتآمر عليّ دمي.. لا يسيلُ
ويغلّفُ جرحيَّ القيحُ والسوادْ
كيف أعاتب أخوتي
وقد عوّدتَهمْ النجاة بالتصفيق للجلاد!
كيف أشعر بالألم… وقد سرقتَ حبليّ الشوكيّ
وبعتني عبداً ذليلا!
أنّى لي أن أموت يا شريكي في الوطن وقد
تركتني على شواطئ اليونانِ قتيلا!
لِمَ أحرقتَ جلدي
لِمَ سكبتَ ماء العين
وتركني ضريراً حتى ضللتُ الطريقْ!
كيف أفرّق بين بريقِ شهابٍ يرجم الشيطان
وبريق تلألؤِ عظامِ أخوتي في الحريقْ!
يا مَن أغريتني بوحدة المصيرِ والمتاريس
واغتصبتني في الخندقْ
تحت وابل القنابل والرصاص
وارتضيتَ لي حياة النزوح والرقيقْ
يا من دفعتني للبحر أغرقْ
وسرقتَ الملح من جثتي الطافيةْ
أخذتك الشماتةُ وغرتكَ العافيةْ
أتحسبه يشعر هذا الغريق!
أتحسبه وقد اعتاد الذّلة الهوان
يفرِّق اليومَ بين عدوٍّ وصديقْ!
….
تباغتنا حُمَّى الاعتيادْ
وتستريح في قلوبنا ذكرياتنا المؤلمةْ
ننسج منها ملايين المبررات
لنحافظ على لذَّةِ الجنس والأطعمةْ
نحصي مع أعدائنا قتلانا
ونختلفُ معهم حول مراسم الدفنِ
ثُمَّ نسمي عجزنا ملحمةْ
ونسمي كلامنا نضالاً
ونسمي بكاءنا جهادْ
تُعجبنا إنسانيةُ السفاحِ
إذ أبلغ الضحايا موعد التمثيل بالجثث
ونثور على الضحية لأنَّها فجأةً تقاومْ
لأنَّها لم تستعد للموت كما يجب
لم تستأذن قاتلها
ولم تساومْ
نسخرُ من تسريحة شعر القتيل وأنفه الكبير
وذراعِه المبتورةِ من المرفقْ
من اختياره قميصاً أصفرَ
يلبسه ساعة الموت على بنطالٍ أزرقْ
ثُمَّ نعتاد أزياء القتلى والقاتلينْ
ونحوّل القضايا إلى قاعة سينما
نُنصِّبُ أنفسنا عليها متفرّجينْ
ونلوم الضحية أنَّها فجأة تقاومْ!
وتلومنا الضحية كيف أصبحنا مهرجين
ونتّفق مع عدونا على المراسمْ
ونلوم على القتيل استقبال القاتلين ببنطاله الأزرقْ
كم كان أحمقْ!
…..
ألست من علمنا أن الممانعة لا تتعارض والعبودية
أنَّ المبادئ تتجزأ وتتحول إلى فُتاتْ!
أنَّ بعضَ الطوائفِ قابلة للحياةِ وبعضَ الطوائفِ جديرةٌ بالمماتْ!
ألستَ الذي بعتَ مصاغنا لتشتري بندقية
وبعتَ أكبادنا لتدفع ثُمَّن الذخيرةْ!
حين قتلتنا بأموالنا سلبتَ مِنَّا البصرَ
وحرّمتَ علينا البصيرةْ
أجبرتنا التأقلم مع أشلائنا على الشاشاتْ
وعلَّمتنا ضرورة الإعجابِ بالمجرمين
وأولويّة التصفيقِ للقاتلين طمعاً بالفرار والنجاة
ألّفتنا الموت حتى فقدنا معنى إزهاق الحياة
ألستَ مَنْ علَّمنا أنَّ النجاة بالبدنْ أهمُّ ألفَ مرةٍ مِنَ الوطنْ
وكلِّ ما ينطوي عليه الوطنْ!
ها نحن اليومَ يا صاحبَ الزمانِ ندفعُ الثمَّنْ
….
كيف ننجو اليوم أنا وأنت من حُمَّى الاعتيادْ؟!
كيف ننجو يا خصيمي من الرغبة المحزنة
أنْ نراكَ تحترق مع أبنائك في غرفة الغاز!
من دوي انفجار البراميل فوق رؤوسنا
من حصة التربية الوطنيةْ
من طوابير شعبة التجنيدْ
من استنزاف جيوبنا للحصول على وثائقَ تثبت أننّا عبيدٌ
ولم ننفك عبيدْ
من تصريف ١٠٠ دولارٍ على الحدودْ
من الأغلال في أعناقنا والقيودْ
من تفاهة خرافة الوطن السعيدْ
وعبء أسماء قُرانا على الهويَّةْ!
كيف ننزع من قلوبنا الشكَّ ونستعيد اليقينْ
ونستدير اليوم يا قاتلي
من مشارفِ حلبَ إلى مطالعِ فلسطينْ؟!
يا فارساً أضاع سيفه وذبح كلَّ الجيادْ
كيف ننجو اليوم أنا وأنتَ مِن حُمَّى الاعتيادْ
….
تباغتنا حُمَّى الاعتيادْ
ونناقشُ اليومَ حقَّ الغزاةِ بسرقةِ جلدِ الميتينْ
وافتتاحِ أعظم بنكٍ في العالم للجلودْ
نتفاوض مع أنفسنا حول أهميَّةِ الخرائطِ وألوانها المعقدةْ
وجدوى الاهتمامِ بالأعلامْ والحدودْ
نتساءلُ: هل الاستيطانُ مِنْ حقِّ المستوطنينْ
وهل تَجبُ المساواةُ بين المسلَّحينَ والجنودْ؟!
نخطِّطُ للتبرُّعِ بقبعاتٍ أكبرَ للمصلينْ
فربَّما ضِعةُ الكيبوتِ نقصُ صوفٍ في خرافِ اليهودْ!
نتمسَّكُ باليسارِ إذا قيلَ: حفرَ اليهودُ نفقْ
ونسميه قدراً انهيارَ السقوفِ على الساكنينْ
ثُمَّ نحوقلُ، وننتقلُ بخفّةٍ إلى اليمينْ!
نقاطعُ المشروبات الغازية وندَّعي الحزن والأرقْ
ونغلقُ على العطشى العيونْ
ثُمَّ نتساءلُ إن كان الموتُ خيارَ الميتينْ
وندعو لهم بالنجاة من السَّحرِ إلى الغسقْ
ونصنع كعكة يزيُّنها علمُ فلسطينْ!
أرسلوا إليّ بالله عليكم أسدْ
كبِّسوا كبِّسوا… أخوتنا في العراءِ يقتلونْ
كبِّسوا لأجل القضيَّةِ أيُّها المكبِّسونْ
إنّها فرصةٌ للتوبة مِن التكبيسِ شَبقْ
سننتصرُ اليومَ على جميع المغردينْ
سنحرقُ إكس الذي كان يسمى تويترْ!
وإذا إنهارَ سقفُ الدُّنيا على الأطفالِ النائمينْ
سنركضُ لليمين… ونسميه محض قدرْ
تباغتنا حُمَّى الاعتيادْ
وداءُ الصبرِ على البلوى
والدعاءُ بقطع كلِّ إصبعٍ تدوسُ زنادْ
فنحن لا نريد إلَّا النجاة بجلدنا الشخصي
وقد فتحَ اليهود مصرفاً للجلدِ سلخاً واصطيادْ!
….
تباغتنا حُمَّى الاعتيادْ
أفقدُ صوابي وتتوهُ مني البوصلةْ
فأباركُ الحِرابَ في خاصرةِ المسيحْ
وأباركُ الجلادين بظهري
وأزيّنُ بدمي المقصلةْ
وأتمنى الموت للجميع حتَّى أستريحْ
أتذكر الرَّكضَ أعزلَ مِنْ مروحيةٍ على طرفِ الشامْ
أتذكر صوتَ القذيفةِ التي حولت ابن بائع الدخان في حيّنا إلى قطعْ
يخلبني الحقدُ ويهجرني الورعْ
يخنقني صوتُ انهيارِ البنايةِ وغبارُ الركامْ
وتؤلمني النَّجاةُ وقد تفرّقَ النَّاسُ بين جريحٍ وذبيحْ
وأتمنى الموتَ للجميعِ حتَّى أستريحْ!
……..
تباغتنا حُمَّى الاعتيادْ
ونفتحُ آذاننا صاغيةْ
ليملأ عقولَنا الذبابُ والفسادْ
فيضحكُ مُحتلٌ في حضن طاغيةْ
ويرقص سوط في يد جلّاد
تغرينا كثرة الأسئلةِ والأمثلةْ
فتُملي علينا اللجانُ ما يشتهي السلطانُ من اتجاهات
وعند السؤال المصيري… تتوه عنّا المسألةْ
هل سيسرق النتنُ قمرَ أريحا وشمسَ الناصرةْ؟
هل يقدرُ المستوطنُ بجدائله البلهاءِ أنْ يغتالَ الهواءَ ويخنقَ الذاكرةْ؟
ماذا عن أزمة أشباه الموصّلاتْ!
وأزمة الأوكران… متى نحصل على حصَّةِ العربِ مِنَ اللاجئات!
هل يقتتل الأشكنازُ والسفارديم
وهل تكون حربُهم نصراً لليهود في السَّامرةْ؟
أيُّ نحسٍ هذا الذي حلَّ ببلادنا العامرةْ!
هل طلّق حسامٌ شوشو أمْ طلَّقتها روتانا؟
“لقد أهانت صباحُ نفسها بتجديد يانا يانا!”
هل يهدد السدُّ قصب السكر في أسوان
وكم لاجئاً ستستقبل القاهرةْ؟
كيف تسمحُ الدولة في القلاعِ بحفلاتٍ ساهرةْ!
لماذا فشلت الثورة في الشَّام؟ وهل نسميها ثورةْ!
هل ركبةُ الرَّجلِ وقتَ الصلاةِ عورةٌ أم ليست بعورةْ؟
لماذا يحبُّ الرِّجالُ في غيرِ الزَّواجِ المرأةَ العاهرةْ!
أيُّ نحسٍ هذا الذي حلَّ ببلادنا الزَّاهرةْ!
“صلاح الدين دجالٌ حقيرْ”
“اخرس! هو بطلٌ منزّهْ… هو صاحبُ التحريرْ”
اقرأ قصةَ نجاحِ الكولنيل وسرَّ الخلطةِ السِّريةْ
هل كنت تعرف أنَّ أمَّ جلالته في الأصل يهوديةْ!
هل تعلم أنّنا فينيقيون أضاعهم العربُ الغزاة
شيخٌ صوفيٌ يتحرشُ بالفتياتْ!
هل شاهدت مسلسلَ الولادةِ مِنَ الخاصرة!
ما هذا النَّحسُ الذي حلَّ ببلادنا الطَّاهرة!
ينتهكُ منشوركَ معاييرَ المجتمعْ
والصورةُ التي تشاركها للقتلى مُزيَّفةْ
“هُمْ أهلُ ضَلالٍ وبِدعْ”
لا تطيرُ الطائراتُ فوق الكعبةِ المشرَّفةْ
لا يهممك الغلاءُ واشكر توافُّر السِّلعْ
اللَّهم نسألك ردّ القضاء وألطفهْ
ها ها ها! مسرحيَّةْ مسرحيَّةْ
ها ها ها! بالكاد خمسون ألفَ ضحيةْ!
“عجّل الله فَرَجَ الإمامْ”
“ليتها ظلّت بلاد الفرس بهلوية!”
من أنتم -ريمكس- إلى الأمام إلى الأمام
سِلميَّة سِلميَّة، لا طائفيَّةْ
مؤامرةُ نتفلكس لنشر الشذوذ في العوامْ
لا ضرورةَ دراميَّة لخلع الملابسِ الداخليَّةْ
حلقةٌ أرجوكَ يا دحيحُ عن مثلث برمودا
وعن بطولات العرب الغابرة
ما هذا النَّحسُ الذي حلَّ ببلادنا الصابرة!
تباغتنا حُمّى الاعتيادْ
عينٌ ضريرةٌ… ويدٌ قصيرة
تتسع همومُ البلادِ
حتى تلهينا عنها همومنا الصغيرةْ
يتهمنا جاسوسٌ من منبر الحيادْ
ونحن غرقى جميعاً في المياه الآسنة
نهربُ من قدرنا المحتومِ
ونؤجّله بالمعارك الآمنةْ
ثم نسأل أيّ نحسٍ هذا الذي أصاب العباد
أيّ نحسٍ جمَّدَ الهمّةَ الفاترةْ!
أيُّ نحسٍ سلَّط علينا الاستبدادْ
وأيُّ نحسٍ حكَّم بنا اليدَ الغادرة
……
يا أيها الذين اعتادوا
يا رُكّاب الكرة الأرضية
يا شهود المفرمة
ابدؤوا تخزين الطعام طويل الأجل
استعيدوا الأدوات البدائية
واربطوا الأحزمة
واستعدوا لحصاد السكوت عن الهبل
يا أيها الذين اعتادوا
خذوا إجازةً قصيرة
استمتعوا بالأكلِ
واغتموا الأيام اليسيرة
تعرفوا أكثر إلى عالم النحلِ
وصبر النملِ
وتاريخ الأمم المتناحرة
فغداً تصبحون خبراً عاجلاً على شاشة الجزيرة
وغداً تزوجكم إسرائيل من هيروشيما
وتحيلكم أشلاء متناثرة
مجلة قلم رصاص الثقافية