مرام زيدان |
فوضى خلّاقة، فوضى تذهلني كل يوم بمقدرتها على اجترار المزيد من الخراب،حتى الخراب يحتاج إلى خلق وإبداع، ابتكار وذكاء..
وكنّا على قدْر الحِمْل يا شركاء، كنا كما دائماً مجدّنا التاريخ وسوّقنا، كنّا عند حسن ظن ذاكرتنا الجمعية،
وتشهد على ذلك رائحة الحرائق وخطواتها الوثّابة بين جبال المدينة، نفايات النيران على الشّرفات، لون السماء،
واللّهب المتصاعد عند سور الجامعة، والآخر عند بيت صديقتي..
خلْق …خلْق …فنيراننا لهيبها غبارُ طلعٍ يا قوم، لا رياح، لا سيارة متنقلة، لا فاعلين اندسّوا بيننا نحن القوم الدراويش!!، ولا تجّار الفحم، ولا حتى وعيد البرد بنخر عظام الطّيبين أكثر…
وكأنّ عظامهم ما نخرها الموت والبارود وصار البرد رفاهية، وكأنّ الأرواح التي عرّاها وطن قد يغلب عرّيها دفءٌ منتظر !!
النيران يا شركاء تسدّ جوع فراغها، بعد أن امتلأت بنّا..
النار أكلتنا يوم سقطت قلاعنا في البعيد، لأن بطون بعض شركائنا كانت أكبر وأوسع من أرواح الأحبّة، لأن فوارغ الرّصاص، ماتت مخذولة بلا جنازات رنانة، ماتت بهدوء، لأن شركائنا أخطأوا سمت الهدف، وظنّوا جنونهم فوق النعوش ينجب أبطالاً جدد..
النار أكلتنا يوم نام الفكر في بطن الدّين، نام نومته الأخيرة وصار التّسبيح والتّوكل أبهى أفعالنا، أما النّاقة لا عُقِلَتْ و لا اعتُقِلَتْ..
تبيح الخراب أينما حلّت !
النار أكلتنا….
يوم نذرنا ذهبنا لتلميع الأقوال والكلام، أما الأفعال فليست من شيم الحفل الكريم، يوم تخّلت الرّاحات عن كحل الأرض وكفّت عن عناق المعاول، وصارت المواسم تموت جماعات على أمها، لأن جيوبنا فارغة ومخازن الوقود فارغة، وعقولنا فارغة !
يوم نالت الكراسي من مقاعد الجامعات ودرجاتها، و صار الواصل صاحب النجوم الأكثر ، ربطات العنق الأغلى
النار أكلتك يا أمي يوم صفعتِ طفلك لأنه هتف للشمس، هتف للعلم، للصدق…
صفعته لأنه خرج عن دائرة الوفاق الاجتماعي، ورفض تقبيل أيادي الشّيوخ، وسفح النذور في بطونهم المنتفخة
لأنه يا أمي لم يراقص الكلمة ولا مسامير البسمة الكاذبة، لأنه همس بالحقيقة المؤلمة، وتجرأ على أحلام اليقظة
فنفخ عليها بقلمه وحرفه.
النار أكلتنا يوم صارت الأسر تبنى على الرّصيد البنكي، الحسب والنسب، يوم فقدنا إيماننا بالحب وصار تهمة معيبة
نخبئها خلف تهمة العمر والطيش..
النار أكلتنا يوم تركت المرأة يد شريكها لتسير خلفه لا جانبه، يوم صارت تأكل من عرقه وتتعلم مما سمح به رأسه،
يوم صارت ضلعاً قاصراً، و جسداً للمتعة لا أكثر، يوم خسرت الأرض روحها الصبورة العاملة، وصار القرار بيد الانفعال الأول، يحكمه التوحيد….
النار أكلتنا يوم نسينا أنّنا شركاء، شركاء حتى في الخراب، ونسينا أن الخلاص لا يمكن أن يكون إلا جماعياً
يوم غرقنا في جنون الأنا،أنا الدين، أنا الطائفة، أنا المدينة، وأنا الكرسي..
يوم تحاصصنا الـ (نحن) و صار المجد (لي) …ولغيري الموت
النار لم تكن ولن تكون برداً وسلاما ً فالمعجزات من شؤون الآلهة…
سورية | خاص موقع قلم رصاص