الرئيسية » ممحاة » الحنين إلى الورق

الحنين إلى الورق

حسان أحمد شكاط  |

في البداية كنت أخجل من الإفصاح عن هذا الأمر خوفاً من أن ينعتني البعض بالمتخلف عن ركب التطور التكنولوجي. فأنا يا سادتي إلى يومنا هذا لازلت أكتب مقالاتي وقصصي باستخدام الورقة والقلم قبل أن أعيد كتابتها باستعمال جهاز الكمبيوتر.

وهذا طبعاً يرجع إلى عادتي التي باتت تلازمني منذ سنوات فأنا بدأت النشر في سنة 1998 أيام كان النشر على الصحف الورقية. آنداك كنت أكتب المقالات والقصص باستعمال الورقة والقلم وأرسلها عبر البريد الكلاسيكي إلى مختلف الصحف الورقية. قد يطول وصولها وقد تصل أو لا تصل.

أما في أيامنا هذه يكاد ساعي البريد المسكين أن يحال على البطالة بسبب تناقص الرسائل العادية لولا بعض الحوالات والاستدعاءات التي حالت دون انقراض مهنة الساعي.

غابت الرسالة العادية..وهتف الكثيرون بحياة التكنولوجيا لأنهم لم يعودوا مضطرين إلى كتابة الرسائل الكلاسيكية وتحمل عناء التنقل إلى مكتب البريد لإرسالها مادام أنه بامكانهم فعل ذلك بنقرة زر، فتصل الرسالة وإن كانت في آلاف الصفحات بسرعة البرق إلى من يريد وإن كان متواجداً في آخر بقاع الدنيا، وهذه نعمة من نعم الله علينا التي لايمكن أن نجحدها..

لكن بيني وبينكم ألا يحن أحدكم أحيانا إلى رسالة ورقية يحملها بين يديه ويشتم عطرها المميز. أو يمرر بصره عبر خطوطها المدونة بالحبر الأزرق أو الأسود، الى يومنا هذا لا زلت احتفظ كما الكثيرين برسائل قديمة تعود إلى سنوات خلت، واتفقدها من حين إلى حين بمودة عارمة.

وتحضرني هنا قصة طريفة عن الروائي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز يوم أنهى كتابة رائعته العالمية “مائة عام من العزلة” باستعمال آلة الرقن المعروفة آنذاك، وكانت نسخته الوحيدة. توجه برفقة زوجته إلى مكتب البريد لإرسال الرواية إلى الناشر. وعندما قيّم موظف البريد الرواية كان ثمن الإرسال مرتفعاً ولم يكن ماركيز يمتلك المبلغ اللازم فقرر أن يرسل نصف الرواية الأول ريثما يتدبر الأمر ويرسل القسم الثاني، فحدث ما لم يكن في الحسبان عندما أخطأ وأرسل القسم الثاني، فاضطر وزوجته أن يبيعا بعض الأشياء الثمينة لإرسال ما تبقى من الرواية..تخيلوا لو ضاعت نسخة الرواية الوحيد المرسلة عبر البريد. لما كان العالم قد قرأ رائعته، وما كان ماركيز قد نال جائزة نوبل.

لا يختلف إثنان أن للتكنولوجيا محاسن لا تحصى..لكن لا يمكن أن ننكر مثلاً جمال القراءة في الكتاب الورقي. رغم توفر ملايين الكتب في صيغة بي دي ف، فالقراءة عبر شاشة الكمبيوتر تتعب البصر كثيراً. وتضطرنا إلى التوقف أحياناً عن المواصلة رغم تعلقنا بما نقرأ. أحياناً أحدق في مكتبتي التي تضم كتباً ورقية بكثير من الفخر وهي لا تتعدى المئات، رغم أني احتفظ بآلاف النسخ الإلكترونية في جهاز الكمبيوتر..هذا هو رأيي المتواضع..فهل أنا متخلف، إن كنت كذلك فأنا فخور بتخلفي هذا.

كاتب وروائي جزائري  |  خاص موقع قلم رصاص 

 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مع ستيفان زفايج

يبدو لي أن الكاتب النمساوي ستيفان زفايج هو الأكثر اهتماما بمتابعة خيبات الحب، وأثرها في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *