جمعة الناشف أو «الفراتي» كما يحب أن يُلقّب تيمناً بنهر الفرات الذي وُلد على ضفافه، فنانٌ سوري أبدع في النحت والتشكيل ومازج بينهما حتى غدت أعماله خليطاً فنياً قل نظيره.
أخذ من الصخر صلابته ومن الفرات عذوبته، الفن سره الأبدي، لا يُفصح عن أفكاره إلا حين يرفع الستار عن أعماله مُفاجئاً زوار معارضه ومحبيه بترنيمات فراتية وأعمال فنية وأفكار إبداعية تستحق الوقوف عندها طويلاً.
استقر الفراتي في لبنان منذ سنوات طويلة، وجد ضالته في جبال الأرز لكنه بقي المشتاق دائماً للفرات وعلى موعد معه كلما بلغ الشوق مداه، موقع «قلم رصاص» الثقافي تواصل مع الفنان الفراتي جمعة الناشف وكان معه هذا الحوار:
ـ من أنت؟
بداية، يسعدني اتصالكم وبحثكم المستمر بين زواريب ومتاهات الفن وإصراركم على تقديم ما تسعون إليه في حالة ثقافية لا تشبه الآخرين.
الفراتي جمعة الناشف
من مواليد الفرات في مدينة الرقة – سورية 1969.
عضو اتحاد التشكيليين السوريين وأمين سر اتحاد التشكيليين (فرع الرقة).
خريج معهد الفنون الجميلة بالرقة 1986.
ـ سنوات طويلة وأنت تعيش في لبنان حتى قبل بداية الحرب السورية، لماذ اخترت لبنان؟
هي الصدفة، كانت زيارة خاطفة للبنان في عام 1998، وبعدها وجدت نفسي أعشق بيروت وجمالها، وقتها التقيت بمجموعة من الفنانين والمبدعين الشعراء والكتاب والممثلين الطيبين، وبقيت في حالة الزائر والمقيم المستمر بين بيروت ومدينتي الرقة، وهكذا أصبح الفراتي ما بين الفرات وجبال الأرز ينشد ويرنم قماشاته وصخوره، نعم هي فترة طويلة أثقلت علي بغربة وشوق وحنين..لكني اعتقد أني قد أصبت في ترحالي المستمر.
ـ لكل فنان رسالة وقضية يؤمن بها ويناضل من أجلها، ما هي القضية التي تؤمن بها وتحاول إيصالها من خلال فنك؟
قضيتي ورسالتي منذ أن أيقنت أنني فنان، ويجب أن أحمل شعلة نور تضيئ للآخر دربه في مجال الفن والجمال بالمحبة والسلام، دائماً هناك هدف لأي مبدع في هذا العالم، والرسم هو كباقي الفنون وأكثر الفنون توثيقاً وتأريخاً للحياة وتفاصيلها بكل ما يحصل من خلق وإبداع وتطوير بحلوها ومرها بفرحها وحزنها، أسعى دائماً إلى ترك بصماتي أينما حللت ليكن الفن رسالة محبة وسلام في حياتنا وبعدها.
ـ الشللية وصلت للفن التشكيلي حاله حال بقية المجالات الإبداعية وفي ظل هذه الشللية الفنية هناك فنان زميل وفنان صديق من هو الفنان الصديق بنظرك؟
أنظر بعين الناقد والقارئ لهذا المصطلح، الشللية في الفن حالها حال الأحزاب وتناحرها وتخاصمها وتفاهمها في بعض الأحيان، لكن للأسف أخذت طابعاً يسعى إلى تهميش الآخر، حتى أن الفنان الذي يكون مستقلاً في مرسمه وفنه يُصبح بعيداً كل البعد عن الوصول إلى مراكز وصالونات العرض التي يتمناها بفنه وإبداعه، وأنا لا أؤمن بالشللية لأنها تضعك في إطار محدد ولا تتركك تحلق كيفما تريد، الحقيقة لا صديق بمعنى الكلمة في مجال الفن التشكيلي، ولكن هناك استثناءات صديق وأصدقاء، صديق تتواصل معه بالحياة العادية..وصديق يكبرك عمراً تحترمه وتقدر فنه وإبداعاته وتفتخر به..وصديق أصغر منك عمراً تحبه وتتمنى له مسيرة موفقة بفنه يفرح قلبك وتفرح له بتتطوره، والأصدقاء الافتراضيين كثيرين ولا أخفيك صديق المجال الذي تعمل به دائماً هناك المصلحة تدمر كل صداقة، وهذا مؤسف، ويحزنك أن لا تجد صديقاً صدوقاً يفرح قلبك ويسعدك وتبادله المحبة، أصدقائي في هذا المجال الصخور والألوان وقماشاتي وترانيمي وخربشاتي..أما أصدقائي فهم كثر في مجالات الفنون الأخرى وأقربهم الممثل والمسرحي الكبير رفيق علي أحمد، واعتذر من ذكر البقية فالقائمة طويلة ولا أريد أن أنسى أحداً.
ـ كانت بيروت عاصمة مهمة للثقافة والفن في حقب كثيرة، هل ترى أنها ما زالت كذلك؟ ولماذا برأيك؟
بيروت عاصمة للثقافة منذ زمن طويل، ليس أنا الذي أقول هذا، بل هناك الكثير من الكبار المبدعين قالوا ذلك، نعم بيروت عاصمة للثقافة جامعة ومستقطبة لأغلب المبدعين وفي مجالات الفنون كافة من عرب وأجانب، وكوني أحد الرحالة في هذا البلد الجميل وإقامتي منذ فترة طويلة وفي ظل الظروف القائمة بالبلدان العربية تجدها مركزاً لتواجد المبدعين، وهي جامعة لأغلب وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وأسباب كثيرة تجعلها عاصمة للثقافة.
ـ معارض وملتقيات كثيرة تُقام في لبنان، وهيئات وجمعيات كثيرة تتأسس كل يوم وأنشطة متعددة لماذا لا نرى مشاركات لجمعة الناشف فيها بينما نرى تواجد لأسماء كثيرة تجربتها الفنية ما زالت متواضعة؟
الفراتي جمعة الناشف له خصوصيته بالمشاركات الجماعية، وقليلاً ما أشارك إلا في مهرجانات المحبة والسلام، وأحياناً أكون محرجاً بمشاركة ما.. نعم هناك معارض وملتقيات كثيرة تقوم في لبنان وغير لبنان، وللأسف المشاركات أغلبها للتسلية والسياحة، وأصبح بإمكان أي شخص مسك الألوان والقماش أن يُسمى فناناً بدفعه تكلفة المشاركة في الملتقيات والمعارض، وهناك ملتقيات ومعارض لها خصوصيتها بالمشاركة أيضاً يرجع ذلك إلى قصة الشللية والمصلحة، ولم أجد نفسي في تلك المعارض والملتقيات، طبعاً هناك ملتقيات لها قيمتها الفنية والثقافية وتسعى إلى التواصل والمثاقفة بين الشعوب لكنها أصبحت قليلة جداً، لكني آمل أن نرتقي إلى مستوى الفن الهادف بصدق لكي نكون من الشعوب المتقدمة، إلا أننا نفتقد الصدق ياصديقي للأسف.
ـ كيف العلاقة بينك وبين اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية؟ وكيف ترى واقع الاتحاد؟
إن الاتحاد حالياً أكثر الاتحادات نشاطاً وفعالية، وكان له الدور الأبرز خلال سنوات الأزمة السورية، وتُرفع لهم القبعة، وكلي فخر أنني أنتمي إلى اتحاد التشكيليين السوريين، وأتمنى كما يتمنى كل فنان أن يحصل الاتحاد على دعم أكبر مما هو عليه، لكن نقدر ما نحن فيه الأزمة تجعلنا نتماسك ونتشارك مع كل المؤسسات ببلدنا سورية الحبيبة.
ـ في زمن الأكاذيب والدجل الذي نعيش ونراه حولنا انتحل كثيرون صفة فنان وإعلامي وكاتب أنت كفنان ما رأيك بهذه الظاهر التي نراها؟
للأسف هذا زمان قلب كل المفاهيم والقواعد والنظريات، برأيي هي غيمة صيف عابرة ومن له أساس وجذور لن تقلعه الرياح، ولابد أن ينجلي الغبار ويزهر الياسمين ويعبق في كل الميادين، هناك جهات كثيرة تسعى إلى زج هكذا أشخاص كما هي المؤامرة على بلدنا سورية الحبيبة، لكن أنا أكيد أنها فترة وستنتهي وهؤلاء مجرد سلاح يعبثون به، وعندما ينتهي دورهم سيصبحون في المزابل.
ـ وبرأيك كيف يمكن للجمهور الفرز والتمييز ونحن في حالة فوضى والناقد غائب تماماً عن المشهد؟
دائماً الفن الحقيقي والصادق هو يدل على ذاته.. نعم نحن في فوضى ونفتقد للناقد الحقيقي لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح ..الحقيقة أن هناك كثير من الحالات التي يُزج بها من جهة ما وتجعلها في ساحات الإبداع وتقدمها على أنها حالة مميزة وحاضرة في كل وقت، نعم هي حالة تجعلنا في حيرة من أمرنا أمام مانحن فيه وهناك من يمتلك القوة ليكون في الموقع الصحيح وهذا نادر في هذا الزمان، أتوجع كثيراً عندما أرى أن من ليس له علاقة بالحرف، يكتب كل الحروف وكيفما كانت تكون والكل يصفق له.. اعتقد أن الأيام ستكون كفيلة بغربلة كل شائبة في كل المجالات، أما عن النقد والناقد فهناك من يمتهن النقد من أجل الكسب المادي بطريقة أو بأخرى بعيداً عن الموضوعية والمصداقية، وهناك من يكتب النقد ويمتلك كل الصدق والموضوعية ولكن ليس له أي دور في هذا الزمان ..نعم نحن بأمس الحاجة إلى القليل من الصدق.
ـ في الحرب السورية فقدت زهرة (ابنتك فاطمة) بشظايا قذيفة طائشة بينما كانت تقدم امتحاناتها، كيف أثر ذلك على أعمالك الفنية خاصة أننا لاحظنا أعمالاً كثيرة حول اللجوء والحرب وفيها سوداوية كثيرة؟
نعم إن عائلتنا من العائلات المنكوبة في سورية، وأؤمن بالقدر الذي أخذ زهرة مني وهي ابنتي ألقبها منذ ولادتها بـ”ست الحنان”، نعم فاطمة ست الحنان، وأخذت مني أخي مصطفى وهو أب لخمسة أطفال، كُثر ضحايا هذه الحرب الطاحنة ونحتسب الله على هذا البلاء، لكني صامد بفني ورسالتي، ست الحنان أوجعني رحيلها وأسأل الله أن تكون من الشهداء والصديقين، برحيلها فقدت الكثير فقدت الحنان الذي كانت تغمرني به، وأعطتني الكثير من الصمود والتحدي للواقع والحياة، ولابد من أن نستمر ونجعل الحزن فرح، أما بالنسبة لنتاجي الفني بعد استشهاد ست الحنان كان أكثر من أربعة تجارب تجسد حالات الحرب التي نعيشها من هجرة النازحين وأوجاعهم إلى خربشاتي وترانيمي الفراتية إضافة إلى منحوتاتي، وأخيراً هناك تجربة لم تعرض بعد هي النحت على الخشب، ومنذ بداية الأزمة السورية أنا موجوع فأنا إنسان قبل أن أكون فناناً، أتأثر بالمشاهد والمصائب والذي حل على كل السوريين ولابد أن تتجلى تلك الأوجاع في أعمالي إن كنت قاصداً أو لست قاصداً إظهارها، فالوجع كبير ونسأل الله الفرج.
ـ أنت كنت تكتب في النقد الفني في فترة من الفترات لكنك توقفت فجأة لماذا؟
نعم صحيح كتبت لفترة ليست طويلة، وكنت اسميها قراءات وليست نقداً بمعنى النقد، وقد حاولت أكثر من مرة أن أكتب النقد وبموضوعية وبصدق ولكن واقع الإعلام والصحافة ليس كما تتمنى، ومن الصواب أن يكتب الفنان النقد التشكيلي، وبرأيي يجب أن يكون الناقد فناناً تشكيلياً قبل أن يكتب، فالنقد التشكيلي يحتاج إلى فراسة في قراءة المشهد في كل المدارس التشكيلية وخاصة الحديثة منها..
افتقد كثيراً للنقد الحقيقي وافتقدته أكثر بعد وفاة صديقي الفنان والشاعر والناقد التشكيلي زهير غانم، كان ناقداً صادقاً وبعد وفاته لم ألتمس من النقد صدقاً وموضوعية إلا نادراً جداً للأسف..
حاولت الكتابة وكان صديقي الناقد الراحل دائماً في مخيلتي عندما أكتب وأحيانا تجرني الكتابة إلى أن أكون ناقداً لكن الزملاء يتمنون أن تكتب ما يفرحهم، وأن تكون مجاملاً وهنا فقدت الصدق والموضوعية..
ومن ناحية ثانية التواصل مع وسائل الإعلام أيضاً كان لا يروق لي لأنك يجب عليك أن تكتب فيما يتوافق مع تيارهم السياسي فقط، وإن كتبت عن أحد من تيار آخر سيضعون مقالك بين الأدراج دون نشر ولهذه الأسباب توقفت عن الكتابة.
ـ إضافة إلى الرسم أنت نحات مُبدع ولك أعمالاً كثيرة مشغولة بتقنية عالية وإبداع حقيقي أين يجد جمعة الناشف نفسه أكثر في النحت أو في الرسم؟
الرسم والنحت توأما روحي الإبداعية، كل منهما له طعمه ولذته ومتعته، أحياناً الرسم يأخذني إلى ما أتمناه في عالم التشكيل والنحت كذلك، حقيقة أنا أشعر وأقول وأجزم بأن الفن التشكيلي لا ينفصل عن بعضه نحتاً أو رسماً، كلاهما حياتي التشكيلية.. الفراتي نحات ورسام، نحات لي مجموعة كبيرة من النصب والمجسمات النحتية وكم كبير من المنحوتات الصغيرة بكافة مواد النحت من البرونز والصخر والخشب والشمع، ورسام لي مجموعة كبيرة من الجداريات واللوحات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وفي كافة المدارس التشكلية من الواقعية حتى التجريد والفن الكنسي..وبكافة المواد بالزيت والاكرليك والترابات الخاصة للرسم..وهكذا جمعت بين الرسم والنحت بلوحتي على القماش وأصبحت لوحتي اسمها نحت على القماش وبجمعي للرسم والنحت أعطيت النحت حقه والرسم حقه..أجد نفسي عندما أنتج عملاً فنياً نحتاً كان أو رسماً.
ـ متى ترسم ومتى تنحت، كيف تستطيع التوفيق بين التعامل مع الصخور والحجارة القاسية الضخمة وبين الريشة والألوان والورق والقماش الرقيق؟
أنا فنان مزاجي في إبداعاتي أرسم عندما أشتهي رائحة الألوان والقماشة، وأنحت عندما افتقد موسيقى المطرقة والإزميل وترنيمات الصخور، وأكيد هناك في الحياة ما يحرضك إلى الرسم أو النحت من فرح وحزن وانفعالات وقلق وشوق وحنين وغرام، أما الصخر فيحتاج إلى ذات الحنية التي تحتاجها القماشة وأجزم أن الصخر يحتاج أكثر حنية ورقة في التعامل معه، إن لم تكن حنوناً مع الصخر فلن تجد عملاً جميلاً بين يديك، صحيح الصخر قاسي وصلب لكنه يحتاج إلى فنان حنون.
ـ ختاماً، ما هي الكلمات التي يوجهها الفراتي، للعالم، للوطن، للأصدقاء؟
للعالم أقول ليكن الفن التشكيلي رسالة محبة وسلام، ويكفينا كل هذا الموت، وللوطن أقول سورية يا حبيبتي راجعين بالمحبة والسلام انشالله، وللاصدقاء محبتي وربي يسعد قلوبكم اصدقائي الغوالي أينما كنتم.
معارض ومشاركات الفراتي جمعة الناشف:
من مواليد الفرات في مدينة الرقة – سوريا 1969، عضو اتحاد التشكيليين السوريين وامين سر اتحاد التشكيلين (فرع الرقة)، خريج معهد الفنون الجميلة بالرقة 1986، نال الجائزة الثالثة لمهرجان بصرى 1985في مجال النحت، وشارك في العديد من المعارض الجماعية في كل من دمشق – حلب – الرقة، ومعرض مهرجان البادية للنحت – حماة 1997، ومعارض تجمع فناني الرقة 95-1996، معرض كرنفال المحبة والسلام – بيروت – لبنان 2014، معرض فناني الرقة – حماة 2016، معرض افتتاح صالة (قاف آرت) الحركة الثقافية بيروت 2016.
المعارض الفردية
نحت- المركز الثقافي بالرقة 1997(بدايات)، نحت-غاليري زمان -بيروت 2002(رخام حي)، نحت – غاليري زمان – بيروت 2004(رقص الرخام )، رسم – غاليري زمان – بيروت 2006(نوافذ)، رسم – صالة قصر الاونيسكو – بيروت 2007(فنجان قهوتي )، نحت ورسم – صالة قصر الاونيسكو -بيروت 2008(ترانيم فراتية )، نحت ورسم المركز الثقافي الفرنسي بزحلة -لبنان (تحية الى زحلة )، نحت ورسم الحركة الثقافية في بيروت 2011(تحية حب ووفاء لسورية الحبيبة )، سيمبوزيوم الفراتي جمعة الناشف زحلة 2013(النحت المباشر على الرخام والصخر )، نحت ورسم صالة قصر الاونيسكو -بيروت 2013(وجه امي )، وقام بتنفيذ جميع المجسمات النحتية – نحت الشعر على الصخر – ساحة الشاعر المهجري جودة رستم حيدر – بعلبك 2009، وقام بتنفيذ جميع الأعمال النحتية والايقونات في كنيسة مار جرجس – زحلة – قاع الريم، نحت ورسم – صالة الاونيسكو – بيروت 2014(ست الحنان )، نحت ورسم – صالة الاونيسكو – بيروت 2015(جلجامش عبر الزمن).
المقتنيات مجموعة كبيرة من أعمال النحت والرسم في لبنان والعالم العربي والأوروبي والأمريكي.
خاص مجلة قلم رصاص الثقافية