علا ماشفج |
كنت في زيارة المكتبة مع أمي دون أي يكون لدي أي فكرة عما أريد اقتنائه، وقفت أعبث بالكتب أخرج الواحد تلو الآخر أمسح الغبار عن العنوان وأعيده إلى مكانه. شدني كتاب يدعى – حسبما أتذكر – “عشيقة السيد لو” أخذته ووضعته على المنضدة أمام المحاسب حيث كان يوجد حامل كتب صغير تفقدتُه ريثما تنهي أمي بحثها، كانت أغلب الكتب التي يحملها كتب جيب صغيرة؛ شعرٌ وخواطر وجدانية خفيفة الوزن إلا كتاب واحد يثقل حركة الحامل عندما تديره اسمه “حصيلة الأيام” أمسكت به بانزعاج لما كان يسببه من اختلال في توازن الحامل وقلبته بين يدي. شاهدتني أمي من بعيد واقتربت تأخذ الكتاب من يدي.
– “آه إيزابيل!! “
– تعرفيها ؟؟
– نعم
– تحبيها ؟؟
– نعم
فما كان مني إلا أن اعتذرت من السيد لو وعشيقته وأعدت الكتاب إلى مكانه لأخرج من المكتبة أحمل “حصيلة الأيام” في يدي.
وخلال الأيام القليلة التي تلت هذه الزيارة أصبت بـ”لعنة إيزابيل الليندي” فأنا لم أكن اقرأ كتاباً بل أتعرف على صديقة جديدة مذهلة – لطالما تمنيت لقاءها – اسمها إيزابيل من تشيلي، روحٌ عتيقة، قوية وجريئة أصبحت روائية بالصدفة عندما كانت تكتب رسائل إلى جدها المريض ليخطفها القلم وتعلن بخجل بعد بضعة أسابيع أنها كتبت روايتها الأولى “بيت الأرواح”. إيزابيل الليندي يونا المولعة بأنتونيو بانديراس والمغامرات الأمازونية وقطع المجوهرات الضخمة. كل ما فيها أذهلني وترك لدي شعوراً كبيراً بالأمان لمجرد اليقين بأنه في هذا العالم روحٌ كهذه.
في بعض الحالات تجارب الإنسان قد تلعب دوراً في قلبه إلى كاتب رائع وعلى الرغم من أنني أحسد إيزابيل على تجاربها السيئة قبل الجيدة إلا أنني أؤمن بأنها ولدت كاتبةً بالفطرة تدربت على يد الحياة بما زرعته في طريقها من أشخاص – وعلى وجه الخصوص العم رامون زوج أمها- ومصائب وسعادة. ولعلها تدرك هذا الشيء لذلك تقحم نفسها في تجارب مرعبة كأن تشرب هي وزوجها ويلي خلطة قديمة عجيبة تركتها فاقدة للوعي، طريحة الفراش ترتجف لأسبوع كامل.
ومن حصيلة الأيام إلى أفروديت إلى صورة عتيقة وباولا وغيرها ازداد تورطي بأدب إيزابيل المشاكس. واليوم توصلت إلى قناعة تامة بأنني لا أحب الشوكلا العادية لأن أدب إيزابيل هو الشوكلا اللاتينية الحادة التي أفضلها فلم يحدث يوماً أن انغمست في اللذة كما غرقت مع كتبها.
دمشق | خاص مجلة قلم رصاص الثقافية