الرئيسية » ممحاة » عطلة الوهم

عطلة الوهم

كذلك يحلم العقل أن الكتابة شأن معرفي مثل الفيزياء أو علم الطاقة أو برمجة المعالجات الميكروية، فيطلق حدوده إلى ما فوق الخيال حتى يشعر صاحبه أن ثمة فرصة للتأمل أو الانتظار ولكن الواقع يسبقه دائماً بتقديم أوراق اعتماده لدى المنطق ليقوم أحدنا ويبحث من جديد في جدوى الكلام ودلالات التعبير اليومية التي ترافقنا في كل مكان مع سؤال كبير: هل نستمر بالكتابة؟

قطعاً لم أجد حتى الآن بداً من سبب الكتابة برغم تواضع تجربتي ولكن أشعر أنني لم أتقدم خطوة مقنعة نحو ذاتي، وأظن أن عدداً لا بأس به من الشباب الذي هم في سني ويعملون في تفرعات هذا المهنة لم يجدوا منبراً ليعبروا من خلاله عن آرائهم بشكل أو بآخر ولو وجدوا فهم ليسوا على قناعة حقيقية بجدوى عملهم، عدا أن عملهم سوف يتحول إلى ريتم تقريري في الصحافة المكتوبة وبالتالي إلى مهنة لا تضيف إيجابية لتجربة أحدنا.. ما الذي يمكن أن يغيرنا من العمق أيها السادة سوى هذا الوهم اليومي بجدوى الكتابة، بجدوى تلمس الآخرين أو إسماعهم أصواتنا قبل أن يأتوا إلينا مكسورين بحثاً عن الأمل.. الكتابة التي ربما لا تصل إلى أقرب الناس منا في المحيط الاجتماعي، ومع ذلك قد ترضي غرورنا على اعتبار أن ظاهرة الاحتباس التعبيري قد تودي بحساسية أحدنا إلى الجحيم..! أي أحلام تلك التي نبحث عنها ونحن نحاول فعل الشعر.. أو النثر أو الصحافة أو.. أو.. ترى هل الكتابة مجرد عصارات هاضمة لقسوة الحياة؟ ومن لا يمتلك ملكة الكتابة ماذا يمكن أن يفعل؟

دعونا نقف لحظة ننطق فيها عن مغزى كل هذا الركام المعرفي الذي إن لم يكن مكروراً أو منحولاً عن قواميس أخرى فهو ملغي المفعول بفضل الصورة الديجتال التي وجدت ذائقة مخصبة بالكسل والنوم والتسلية..

هل ننظر إلى هذا الوهم الذي يسمّى (كتابة) ونرسم خطوطاً ودوائر حول الاستنتاجات العفوية التي تلقفناها من معظم أصحاب الكار، فيكون الجواب: (لا جدوى من الحياة)! ت مهلاً قليلاً.. نريد عطلة سنوية إن لم تكن يومية من هذا (الوهم) الجميل..! أليس جميلاً..؟

ويساعدنا قليلاً على مواجهة كل هذا الشغب والتعب والعبث المنفلش على وجوه شخوص المدينة.. على صفحات الجرائد.. على صفحات الفيسبوك.. الكتابة حالة إنقاذ مؤقت وعطلتنا عنها ما هي إلا تخدير موضعي عمره ثوانٍ.. عطلة في نقاط الضوء على أحضان جبل قاسيون الشهي..

جغرافيا.. جغرافيا من جديد الصورة في أبجدية اللغة اليومية، لولا الصورة لما جاءت هذه الكلمات وجعلتنا نتحمل مفاجآتنا الكبرى التعيسة والسعيدة..

الكتابة كما نسميها وهماً أو حلماً تبقى خلاصة الكلمة منفذاً يتيماً يقرأ على مسامعنا الباطنية إيقاعات سحرية تشبه هباء الخيال الذي نخترعه حتى نتزن قليلاً قبل الوقوع في انتظار الحقيقة.. في انتظار الذات..

نعطّل الكيبورد أو القلم..

نعطل الموسيقا أو أغاني المسلسلات المدهشة.. نعطّل احتمال رضانا عمّا نكتب.. ونعطل الوهم ليكتبنا الواقع مجرد كائنات خفيفة تفعل الأحلام على الورق أو في الإنترنت..

في الوهم يصبح مدى الخيال بلا حدود وبالتالي نستطيع أن نعيد مونتاج ما نريد من أحداث في حياتنا، بالكتابة لا يسعنا الحرف لقول ما نريد، فهل نستمر؟ هل نكتب؟

سؤال برسم العالم والأصدقاء.. برسم القارئ..!

طبعاً، بعد أن نزيح نصوص تصفية الحسابات ومانشيتات مساطر النقاد ومقالات المديح والذم والشخصنات الدنيئة… نتحدث عن وهم الكتابة أو وهم الوجود اللغوي..

شاعر وصحفي سوري ـ قبرص  |  خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن عمر الشيخ

عمر الشيخ
شاعر وصحافي سوري. يعيش في قبرص. أصدر ثلاث كتب شعرية، وعمل في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية والتوثيقية في سورية. يكتب في الشؤون الثقافية لعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية.

شاهد أيضاً

مع ستيفان زفايج

يبدو لي أن الكاتب النمساوي ستيفان زفايج هو الأكثر اهتماما بمتابعة خيبات الحب، وأثرها في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *