إن كنت تعيش في بلدان شرق المتوسط أو شمال أفريقيا وبشكل أوضح في البلدان العربية، عليك أن تفكر آلاف المرات قبل أن تخطو أي خطوة لوحدك محاولاً الخروج عن نطاق سير القطيع، ليس في السياسة أو في الموقف السياسي وحسب إنما في كل مناحي الحياة حتى في طريقة لبسك ونوع طعامك وأغانيك المُفضلة، وإن حاولت التغيير في تسريحة شعرك عليك الاستعداد مُسبقاً إلى مجموعة من الآراء والانتقادات حول ذلك، هكذا هي مجتمعاتنا أو هذا ما أريد لها أن تكون عليه، ووفق ذلك نشأت الدولة أي وفقاً لرؤية المجتمع، وأصبح الفرد أسير مجتمعه ودولته، وكبلوه بما عُرف لاحقاً باسم الأحزاب، وكانت الطامة الكبرى بالنسبة للمواطن حين امتطت تلك الأحزاب الدولة والمجتمع وساقت الشعوب كما تساق القطعان نحو المجهول.
وأي فرد يحاول الخروج عن القطيع، ستأكله ضواري الإمبريالية وستنفرد به القوى الرجعية، وكل من يُخالف يتم إطلاق النار عليه بلا رحمة، وما دمت تحت تلك السماء يجب أن تُسبح باسم الحزب الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لولاه ما كنت على قيد الحياة، ولولاه ما كنت لتكون فهو راعي القطيع، وحامي الحمى وحامل شعلة القضية.
تعيش لسنوات دون أن تدري أن هناك حياة خلف تلك الأسوار التي بنوها حولك، ولا تدرك أن الأبجدية ليست هي تلك الحروف والشعارات التي علموك إياها في مدارسهم ومنطلقاتهم النظرية بل أن هناك أبجديات أعرق ومنطلقات لا تعرف التنظير منهجها العمل وحسب، وما سرقة عمرك باسم النضال إلا كذبة كييرة اختلقوها لتظن أن في حياتك هدفاً تعيش من أجله وتجوع من أجله وتتعرى من أجله، ومن أجل الهدف ذاته تراهم يكنزون الذهب في جيوبهم والدهون والشحوم في كروشهم، ويخلدون للنوم بعد أن يتبولوا عليك ويدقوا سيفون القضية.
سيقول الحكيم منهم إن ما تكتبه “طيش” شباب، و”نقيّش” التقارير يرى فيك خائناً أوهن نفسية الأمة، و”شبيحهم” سيراك “مندساً” ومندسهم سيراك شبيحاً، فمن انشق عن القطيع لم يعتد العيش دون عُقد نقصه فشكل قطيعاً آخر من الشاردين الذين توهموا أن باستطاعتهم العيش خارج بوتقة القطيع الأصلي، ثم وجدوا أنفسهم يدورون في الفلك ذاته، شعارات جديدة مستقاة من القديمة، وأهداف واهية ومنطلقات دونكيشوتية تُذكر بحقب ما قبل عقلنة الإنسان.
إذن لم يختلف الأمر كثيراً، وما شعارات الحرية والتجديد ورفع الظلم إلا ترسيخاً لظلم آخر ولاستبداد أكبر، على الأقل هذا ما أثبتته سبع سنوات من عمر أزمة المواطن العربي، فكل من خرجوا للدفاع عن هذا المواطن امتطوه ومن لم يستطيعوا ترويضه أطلقوا عليه سهامهم وهددوه بالتاريخ الذي لا يرحم، وعن أي تاريخ يتحدثون؟ عن التاريخ المزور الذي كتبه الأقوياء الجبابرة وبأي تاريخ سنثق ونحن نرى أنهم يتلاعبون بكل شيئ أمام أعيننا ويقلبون الحقائق دون أن نستطيع فعل أي شيء، ألن يصبح ما يحدث الآن تاريخاً بعد ألف عام؟
بئس التاريخ هذا الذي ستدخله مع اللصوص وقاطعي الرؤوس وقاطعي الطرق وشذاذ الآفاق، بئس التاريخ الذي ستدخله مع الأحزاب ذات الأفكار المهترئة والشعارات البالية والقيم المُنتهكة، وبئس التاريخ الذي حصد أرواح الأبرياء وشتتنا في أصقاع الأرض بعد أن مزق بلداننا ومرّغ أنوفنا بالتراب.
مجلة قلم رصاص الثقافية