رامي الخيّر |
هذا الشتاء مختلف.. تقول لي العرافة ذلك وأنا لا أؤمن بالعرافات لكن ما قالته يستحق التأمل, لم يكن يوماً الشعور بالبرد ناجماً عن هواء بارد أو شتاء قارص للشعور بالبرد أسباب أخرى, أنا المواطن فلان ابن فلان ورقم هويتي كذا وبهذه الطريقة لم أعد أشعر بإنسانيتي .. بل أنا مجرد أرقام و حروف في ديوان ما وهكذا يتم التعرف عليّ..
الشهيد رقم (10 ) هكذا تم تسمية صديقي الذي قضى نحبه نتيجة خوف الحياة منه فاستبقت ركضه الدؤوب بقذيفة أنهت رحلته في الحياة, هل يعني لكم الرقم (10) شيئاً؟!
صديقي الذي حمل هذا الرقم, كان شاعراً من الطراز السوري الرفيع ومبدعاً باللغة العربية, لم يصعب عليه إعراب أي جملة مهما كانت درجة بلاغتها..
صدقت العرافة هذه المرة !
أشعر بالبرد إلى الحد الذي أنهكتني دقات عقارب الساعة التي توخز بجسدي “تيك تاك ” وأحاول دفعها إلى الوراء لكن للوقت المشبع بآهات الحرب ضريبته على من شهد الفاجعة..
يا إلهي تحاصرني أصواتهم واستغاثاتهم, وتراقبني عيونهم المشرعة نحو السماء تنظر إلى الله الذي تجلّى.. هم الأحياء ونحن الأموات, نحن الذي أصبح خبزنا طين مرّ وأسود..
إنها الواحدة بعد منتصف اللّيل :الساعة تدق تيك تاك.
للحروب طقوسها وتعاليمها الخاصة.. أما عن الحرب السورية فلقد علمتني أن أستيقظ يومياً عند الساعة الواحدة صباحاً حاملاً هم بلادي في كأس قهوة مرّة سوداء.. لأرتشف ما بكأسي من بقايا البلد.. يا ترى ما الذي يفعله الشهداء الآن؟؟ وما الذي يفعله الأطفال السوريون الذين لم تتسنَ لهم الفرصة التعرف على دروس باسم ورباب في مادة القراءة ؟؟
الساعة تدق تيك تاك..
أذكر إلى الآن مادة العلوم في الصف التاسع, لماذا رفض أستاذ العلوم أن يشرح درس التكاثر عند البشر لنا؟ ولماذا كان أحد أهم الأسئلة في امتحان العلوم النهائي عن التكاثر بين الرجل والمرأة؟
الساعة تدق تيك تاك..
كأي حرب.. اعتدنا على الحرب وتحولت ثقافتنا الاجتماعية والحياتية إلى ثقافة مختلفة نوعاً ما، كيف استطاعت ابنة أختي التي لم تبلغ الأربعة أعوام أن تميز بين الطائرات والدبابات والقذائف؟
كيف استبدلت عباراتها عن الشوكولا إلى عبارات قطع المياه والكهرباء؟
ما زال البرد قارساً.. ولم تسعفني المدفئة الفارغة من الوقود ولا المدفئة الكهربائية التي قاطعها التقنين الكهربائي فجأة..
لكن الحرب ستنتهي يوماً ما…
سورية | خاص موقع قلم رصاص