الرئيسية » رصاص ناعم » غادة السمان: تحت مطرقة النقد الأخلاقي

غادة السمان: تحت مطرقة النقد الأخلاقي

أحدثت الرسائل التي نشرتها غادة السمان عن أنسي الحاج ضجة كبيرة في الوسط الثقافي العربي، وتم إلحاقها بسيل من الاتهامات والاستنكار لهذا الفعل، ومقارنته بنشرها رسائل غسان كنفاني إليها، وإسقاط حسن النوايا فيما فعلت، إلا أن الموضوع تضخم حقاً إلى درجة تدفع المرء ليفكر بهدوء فيما حدث من زوايا متعددة .

إن أدب الرسائل والمذكرات واليوميات والرحلة ما زال مهمشاً عند المشتغلين في الثقافة العربية في الغالب الأعم، لذلك نجد الكثير ممن تحدثوا عن رسائل أنسي الحاج لغادة السمان لم يناقشوا الموضوع من هذه الزاوية أبداً ، في برنامج أوبرا ونفري الشهير أذكر أن هناك عشرات الحلقات عن كتب التجارب الشخصية لأشخاص عاديين وغير معروفين في الوسط الثقافي الأمريكي،  وحققت الكتب أرقام مبيعات خرافية،  لأن الغرب يقدس فردية الإنسان ، وهذا ما لا يعيه المثقف العربي في الغالب الأعم الذي يطمئن لصوته ضمن القطيع.

كما أن حياة الشخصيات الفنية والثقافية الكبيرة كانت وما زالت وستظل مثاراً للاهتمام حول العالم ، دراسة نفسية الكاتب وهواجسه ، حياته بين السطور ، علاقته بالآخر ، مطبخ الكتابة لديه ، الجانب الخفي لحياته ، هذه أشياء مهمة وينتظرها القارئ والدارس المتخصص على حد سواء ، لذلك نرى دائما من ينبش في حياة هذه الشخصيات في الصحافة أو عالم الكتاب أو السينما أو التلفاز ، والأديب ليس ملكاً لعائلته ولزوجته بل ملكاً – بكل تجلياته وسلوكياته – للثقافة والأدب ما دام اختار الكتابة، ولا معنى للحديث عن الخصوصية بعد موته ، فما هو الإحراج الذي يمكن أن يسبب لشخص غادر الحياة ، لنراجع في ذاكرتنا فيلم راسل كرو الشهير ” عقل جميل ” ، إن الفيلم من أجمل ما قدمته هوليود، وقد تناول عالم الرياضيات الشهير ” جون ناش ليس فقط من زاوية فوزه بنوبل ، بل مرضه النفسي وصراعه الطويل معه ، وحتى علاقته الحميمة بزوجته.

من جانب آخر لو أن إيزابيل الليندي نشرت رسائل بينها وبين ماركيز لاختلف الموضوع تماماً، فكلنا نريد أن نعرف عن ماركيز، وإيزابيل لا تقصد توجيه إهانة لمرسيدس ، وليست مفلسة وتشتاق للأضواء ، بل تضيف حلقة إلى حلقات تاريخ الأدب، لكن غادة السمان روائية عربية، و أن أنسي الحاج نشر الرسائل ، وكانت غادة هي من مات لاختلف الموضوع قولاً واحداً،  ولم نشاهد سيل النقد الأخلاقي الذي وجه إليها، وكذلك لو أن كاتباً ذكراً قام بنشر رسائل صديقه الكاتب الآخر الذكر ، ولو كانت الرسائل بينهما شخصية، والمكتبة العربية فيها هذه النماذج، وما من عواصف قامت بعد هذا النشر ، لكن المشكلة في العقل الذكوري العربي المخصي قولاً واحداً، والأغرب أن البعض ذكر أنه يحق لغادة نشر الرسائل بعد وفاتها، والسؤال هنا : ما جريمتها إذن ؟ هل أنها على قيد الحياة مثلاً ، وبعضهم ذكر أن الرسائل لو كانت رسائل من صديق وليس من عاشق لكان الأمر مقبولاً ، إذن المشكلة في الحب ، الحب الذي ما زال يعتبر في بلادنا مجرد فضيحة !

وبالطبع كل من لديه وجهة نظر مغايرة يحق له أن يصرح بها ، وهناك تساؤلات مشروعة فعلاً من مثل : لماذا لم تنشر غادة السمان هذه الرسائل من قبل ، وهل لنرجسية غادة السمان دور في نشرها لهذه الرسائل ، أو ماذا عن الرسائل التي أرسلتها هي كي تكتمل صورة الكتاب فنياً وجمالياً ، أو حتى مساءلة الرسائل ذاتها، والإقرار إذا ما كانت تستحق النشر أو لا ، وهناك من أكد أيضاً على ضرورة الخصوصية، وحق الأديب في نشر ما يريد هو فقط ، وعدم النبش في كل ما كتب ، لكن ما لا يحق لمن يطرح التساؤلات السابقة هو التجريح والإهانة وقلة الأدب والوقاحة والصفاقة عندما يكتب عن غادة السمان ، يستطيع أن يكتب وجهة نظره بأدب بما أنه يشتغل في الأدب! قرأت  في الفضاء الرقمي عن الموضوع الآتي : ممحونة جنسياً ، عاشقة رخيصة ، قلة المعاشرة الجنسية تفعل ذلك بالنساء ، مريضة نفسيا ، منحطة ، متسولة شهرة وأضواء بعد أن تجاوزها الزمن ، عاهرة ، تفتقد دورها كلعوب ، ما خفي أعظم فقد كانت تعاشر نصف الوسط الثقافي …. هذا هو التفكير العربي المكبوت جنسياً والذي لا يمثل غادة السمان ، التي أعتقد أنها وعمرها  الذي بلغ أكثر من سبعين سنة قد تجاوزت هذه العقلية منذ قرن ضوئي على الأقل، بل إن البعض ذكر أن غادة السمان تتسلق على ظهر أنسي الحاج من أجل الشهرة، وكلنا يعرف أن الغالبية قرأت لغادة السمان قبل أنسي الحاج ، وأن غادة لا تنقصها الشهرة أبدا لتخترع الرسائل مثلاً، أو تستغل اسم انسي الحاج ، كما أنها تعيش بعزلة، ولو أرادت الأضواء ، فإن الكثير القنوات التلفزيونية والجرائد والمجلات ستكون سعيدة بإجراء حوارات معها ، ومعظم الجوائز العربية ستعرض عليها فكرة أن تكون في لجنة التحكيم.

إن ما جرى يثبت أن العقل العربي يعاني من انفصام في الشخصية ، فمعظم الذين انتقدوها أخلاقياً وتناولوا حياتها الجنسية والعاطفية في منشوراتهم ” منفتحون” فكريا،  ويدعون إلى تعيش المرأة العربية حياة جنسية منفتحة ومتحررة كما تعيشها أية فتاة غربية ، ودائما ما يتحدثون بإعجاب عن الحياة المتطرفة لمارلين مونرو وأنجلينا جولي وأخريات ، يحق للفنانة والكاتبة في الغرب أن تمارس حياتها بالخيارات التي تناسبها،  لكن هذا بالطبع ما لا يحق للكاتبة والفنانة العربية، و لذلك تجد المثقف منهم عندما يختلف مع مثقفة لا يشرح فكرتها وينقدها،  بل يصفها فورا بالعاهرة، وإن كان على علاقة معها يبدأ يشهر بها ويتبجح بكونها صاحبته ، كما أن موقف المثقفات النسويات ليس أفضل حالاً من موقف  المثقفين ، وينسحب عليهن الكلام عن الانفصام الفكري

ثم أن الكثير من المنشورات كذلك طالت منجز غادة السمان الإبداعي ، وذكرت أنها فارغة وتافهة وبعضهم تباهى أنه لم يقرأ لها كتاباً واحداً ، وبعضهم ذكر أن لا وجود لها أساساً في خارطة الأدب العربي،  وهذا بالطبع متوقع وطبيعي من العقل العربي الذي ينسف دائما ما قبله ولا يشتغل بطريقة هرمية تستفيد من التجارب السابقة ، التجارب التي تقرأ ضمن مرحلتها التاريخية، ومن ثم  يبنى عليها،  وغادة كان لها موقع في خارطة السرد العربي،  وليس النسوي فحسب شئنا أم أبينا ، لكن التطرف موجود وبسوية واحدة داخل العقول الثقافية.

 خاص موقع قلم رصاص الثقافي

عن وسام الخطيب

وسام الخطيب
كاتبة فلسطينية، خريجة كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة حلب سورية، تكتب وتنشر في العديد من الصحف والمواقع العربية.

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *