الرئيسية » رصاص حي » بحور اللغة جفت .. في يوم عيدها

بحور اللغة جفت .. في يوم عيدها

 أحمد كرحوت   |  

ككل عام يتم الاحتفاء باللغة العربية في يوم الثامن عشر من ديسمبر / كانون الأول للاحتفاء بهذه اللغة وجاء هذا الاحتفاء من الأمم المتحدة بعد عامين من قرار الأمم المتحدة للاحتفاء باللغات الرسمية ” الانكليزية، الفرنسة، الروسية، الاسبانية، الصينية، وكان ذلك إقراراً من منظمة اليونسكو بأهمية اللغة العربية وما تمثله من منظومة ثقافية واجتماعية واضحة الملامح، اللغة العربية ذاتها التي خرجت من شبه الجزيرة أو لنقل بشكل دقيق من “قريش” حيث لم يتوصل اللغويون إلى وجود صريح لهذه اللغة ما قبل القرآن رغم أن الغالبية يردون هذه اللغة إلى أسماء عدة كمتحدثين أصليين لها ويكون ارتباطها بهم ارتباطاً دينيا صرف كالذي يقول أن أول من تكلم العربية كان إسماعيل النبي الذي نسي لسان أبيه، وقيل أيضاً أن يعرب بن قحطان هو أول من تكلم هذه اللغة إلا أن جميع هذه الادعاءات لم يوجد لها مردّ تاريخي أكثر من ارتباط اللغة بالدين الإسلامي كما ان هناك عدد كبير من غير المختصين يحاولون طبع فكرة أن اللغة العربية هي لغة آدم في عقول العامة ومنها اشتقت جميع لغات الأرض.

عثر في مناطق متعددة من شمال شبه الجزيرة العربية على كتابات قديمة بلغات متباينة ومختلفة عن لغة  القرآن أو الشعر الجاهلي إلا أن اللغويون لم يولوها اهتمامهم واعتبروها لغات رديئة ومرد ذلك للجهل حتما حيث اعتبروا لغة القرآن هي الأصل وهي اللغة الوحيدة التي تكلم بها الوحي وبالتالي هي لغة السماء الرسمية  رغم أن تلك اللغات الجنوبية والشمالية أقدم من عربية القرآن.

لن أطيل كثيراً في تاريخ اللغة التي من المفترض أن كل متحدث بها يعرف تفاصيل ولو كانت جانبية عن أصل اللغة العربية لكن أريد أن انتقل إلى فكرة أخرى أكثر حداثة في زمننا الراهن وهي مدى اهتمام أهل هذه اللغة الأصليين باستخدامها، تلك اللغة التي يتكلم بها ما يقارب النصف مليار إنسان على وجه الأرض “الدول العربية إضافة إلى بعض الدول التي تتكلم العربية كلغة ثانية أو بديلة في البلاد مثل تركيا وإيران واريتريا ومالي والنيجر وغامبيا ..”

في بلاد الشام مثلاً نحن نستخدم اللغة العربية ليس فقط كلغة رسمية في البلاد إنما كاللغة الوحيدة المتداولة في جميع الأماكن الرسمية وغير الرسمية، في حين أن أهل منشأ هذه اللغة والذين لا يبرحون يتفاخرون بها وصل بهم الموصل إلى ترجمة بعض الكلمات من العربية إلى لغة أخرى لحفظها، وبالتأكيد يرجع السبب الأول في ذلك إلى انتشار الجنسيات الأخرى في البلاد بسبب استقدام العمالة الخارجية والتي يحرص الغالبية على أن لا يكونوا ناطقين باللغة العربية لأسباب عدة، كنت قد سألت أحدهم يوماً في منطقة من الجزيرة العربية تحديداً عن سبب عدم استخدامه الدائم أو في الغالب للغة العربية واستبدالها بالانكليزية أو الهندية فكان رده سريعاً “كي يفهم الآخر ما أقول، سألته مرة أخرى لماذا ليس هو من يفهم لغتك وأنت الذي تدافع عن هذه اللغة مذكراً بأهميتها وعمقها وبلاغتها ومتعصب فيها ولها فكيف يمكن للهجة عربية أخرى أن تصب غضبك على المتكلم في حيث تقلب لسانك للهندية بسرعة كبيرة وكأنك ولدت بها اللسان، حل صمت طويل بعدها ولم ألق لسؤالي جواباً..

الملاحظ أيضاً وخاصة في السنتين الأخيرتين بأن المناطق الشمالية الشرقية للوطن العربي والتي تتمثل ببلاد الشام والعراق بأنها الدول الأكثر تعصباً للغة العربية والأكثر تحيزاً وانغلاقاً فيها ويمكن أن نقول بأنها أيضا المنطقة الوحيدة التي مازالت تحتفي باليوم العالمي للغة العربية ويتبادل المثقفون فيها التهاني وكأنها لغة أنكيدو أو ميلياغروس.

جدير بالذكر أيضاً بأن جميع من يقطن بلاد الجزيرة العربية يحاولون جاهدين للهروب بسبب جمودها وتحجرها خاصة في الوقت الراهن حيث يشكل استخدام الكاتب لكلمات أكثر حداثة ومعاصرة للواقع مشكلة لغوية ويتهم أيضاً بأنه عاجز لغوي حتى في أدب الصحراء الملتزم قد أنك تحتاج وقتاً كي  تبحث بشكل دقيق عن قصيدة ذات رسالة وفحوى كتبت باللغة العربية الفصحى بدلاً عن اللهجة البدوية أو ما يسمونه عامة بالأدب النبطي أو الأدب الحيّ، في حين لا يعامل شاعر المحكية في بلاد الشام على أنه شاعر في الغالب ويتم إطلاق الكثير من التسميات عليه كأن يقال فيه شاعر غنائي ” كتقليل من أهمية ما يكتب أو تقليل لأهمية الأغنية ” أو حكواتي أو قوّال أو ” صفاف حكي” أو “عامّي” ورغم أنها جميعها تسميات في النهاية لا تختلف عن أي تسمية أخرى إلا أنها تعود على صاحبها بالتهميش خارج ما يسمى الوسط الثقافي في حين يكون رد كاتب اللهجة بأنه لم يعد يجد في هذه اللغة المتحجرة ما يسد فيه جوعه للتعبير فاللغة العربية تعتبر أقدم لغة في العالم على مستوى ثبات المعاجم حيث لم تغير من شكلها أو مضمونها ولو مثقال ذرة ويعمل الكثيرون لترسيخ فكرة عدم المساس بهذه اللغة لأن أي تحويل أو تحوير أو تعديل يمكن أن يعود على الدين الرسمي لناطقي هذه اللغة بالضعف شيئاً فشيئاً…

شاعر سوري  ـ  دبي  |  خاص موقع قلم رصاص 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

هل زعزعت وسائل التواصل مكانة الكتاب المقروء أم عززتها؟

صارت التكنولوجيا الجديدة ووسائل التواصل، تيك توك، يوتيوب، فيس بوك وغيرها مصدرا رئيسيا للمعلومات والأخبار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *