الرئيسية » مبراة » زراعة “اللايكات” في الصفحات البور!

زراعة “اللايكات” في الصفحات البور!

مما لا شك فيه أن الفيسبوك قد أضحى عالمنا الواقعي، وكل حياتنا وأصبحت المجموعات هي عائلاتنا وعشائرنا والصفحات الشخصية هي مضافاتنا واللايكات هي الأغنام التي كنا نقدمها للضيوف في مناسف كبيرة، وتجدنا نؤهل ونسهل ونسينا أن “كثر التهلي يجيب الضيف الطكوع”، كما جاء في المثل الشعبي.

شخصياً لم أكن أعرف الفيسبوك قبل عام 2010، لكني كنت قد سمعت عن “الوتس آب”، إلا أنني لم استخدمه طيلة وجودي في سورية، ولم يكن يعنيني في شيء حتى أني كنت أنهر من يسرح من أصدقائي في هاتفه عن جلسة نجلسها لأكثر من دقائق معدودة، كنت أجهد في الحفاظ على الحميمية بعيداً عن وسائل التواصل التي حولتنا إلى عبيد لها كما يقول المذيع الشهيد محمد سعيد في مقدمة كل حلقة من حلقات مسلسل ضيعة ضايعة الشهير.

أغلب من يقولون سنهجر “الفيسبوك” ونغلقه إلى الأبد، ومنهم أنا، نجدهم أكثر تعلقاً به، ليس هذا وحسب بل يعيشون في صراع داخلي بين هجران هذا العالم الذي تسبب في هدر الكثير من الدماء والوقت وترسيخ الابتذال والعلاقات المشبوهة وتكريس السطيحة والفرقة وبين التمسك به أكثر حتى أصبح كل حياتهم، أعرف بعض الأشخاص ممن يستحيل أن ينظروا في عيون محدثهم أكثر من النظر في هواتفهم، ولطالما تسبب ذلك في خلافات بين الأزواج وأفراد العائلة والأصدقاء، وصل بعضها إلى درجة الطلاق أحياناً والقطيعة أحياناً أخرى.

أكثرنا يضع اللايك ويمضي، وصفحات الفتيات هي أكثر الصفحات استقطاباً للايكات، إنها تشبه لدرجة كبيرة قطعة حلوى تُركت على أحد الأرصفة، حتى أضحى بمقدور أي فتاة أن تصنع رأياً عاماً تجاه أي قضية من خلال صفحتها الشخصية التي يتوافد عليها آلاف من كبار السن والشباب، المتعلمين منهم والأميين الأدباء والأدعياء وكلهم تجمعهم في فلك واحد شابة قد يكتشفون يوماً ما أن صفحتها وهمية وليس غرضها سوى كشف رداءة الواقع الذي وصلنا إليه.

وقد نكتشف نحن متأخرون أننا زرعنا آلاف اللايكات في صفحات بور، لذلك لم تثمر في أحسن الأحوال إلا عن رداءة مزمنة نتحمل نحن الجزء الأكبر من مسؤولية تكريسها لمساهمتنا في نموها وتغوّل أصحابها بفعل لايكاتنا غير المدروسة التي وضعناها في الأماكن غير المخصصة لها، ثم نجلس في مجالسنا الافتراضية ونعاتب الأصدقاء عن قلة التواجد في صفحاتنا، ولا نجد أعذاراً لهم، لأن إنشغالهم بتحسس أرداف الصديقات الافتراضيات ليس أهم من المرور على صفحاتنا، ولسان حالنا يقول: من لم يليك لنا فليس منا.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *