أُعدم الشاعر السوري بشير العاني وابنه ياس في دير الزور، كذلك صُلب عالم الآثار التدمري الدكتور خالد الأسعد على أعمدة تدمر، وعُثر على جثة الأديب محمد رشيد الرويلي مُتفسخة بعد شهرين من اختطافه، وأُعدم الأديب إبراهيم خريط مع ابنه رامي ميدانياً، وقُتل الشيخ العالم محمد سعيد البوطي، وما زال اختفاء سميرة خليل ورزانة زيتونة وزوجها وشقيقه غامضاً بعد اختطافهم قبل سنوات في ريف دمشق، وكذلك عبد العزيز الخيّر وماهر الطحان وإياس عياش الذين اختطفوا في دمشق، تلك الأسماء التي حضرتني وحتماً هناك العديد العديد، إن ذكر هذه الحوادث التي تعرض لها بعض الأدباء والكُتاب والناشطين السوريين خلال سنوات الحرب ودفعوا أثماناً باهظة لها تقودنا إلى تساؤل مهم وهو لماذا لم يتدخل أحد من أجل إنقاذهم؟
بات الأمر واضحاً إن القنوات التي تسيطر على المشهد الإعلامي والرأي العام لا تتحرك من أجل إنقاذ المثقفين والعلماء والأدباء والفنانين، إنما تسعى جاهدة للتحريض عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وحين يتعرضون لأي أذى تكتفي بنشر خبر عاجل وتقرير لا تتجاوز مدته ثلاث دقائق عنهم.
دأبت تلك الوسائل الإعلامية على فعل ذلك طيلة سنوات الحرب السورية، ولم تدخر جهداً في تحريض الرأي العام على أي شخصية اعتبارية في سورية، مؤخراً كان هدف إحدى تلك الوسائل هو الفنان السوري يوسف عبدلكي الذي افتتح معرضاً جديداً في دمشق الأسبوع الفائت، رغم أن الفنان السوري المعارض لم يتعامل مع أي جهة رسمية سورية إعلامية أو غير إعلامية إلا أنه ككل سوري عشق دمشق التي عاش فيها سنوات عمره ولم يغادرها إلا مُجبراً، وعاد إليها حين فاض الحنين، فهل وجوده في دمشق يُلغي تاريخه؟ بالتأكيد لا، هذا من وجهة نظرنا.
لكن بعض الوسائل الإعلامية لم يرق لها ذلك، وقد وجدت في الأمر فرصة مناسبة للانقضاض على فنان كبير مثل يوسف عبدلكي، وأطلقت سهامها عليه مُنصبة نفسها قاضياً للشعب والثورة كأي شيخ جاهل من بدو الصحراء جاء حافياً ليُعلم أهل الشام أمور دينهم ودنياهم، فيفتي بقتل هذا وصلب ذاك ورجم تلك، ولن تجد الجهات الممولة لتلك الوسائل أي صعوبة في تسخير الأقلام وتحضير رشقات السهام ما دامت جيوب «طويل العمر» مليئة ومفتوحة، واللاهثون خلفها كثر، وقد تنطع لتلك المهمة هذه المرة اللبناني يوسف بزي كيف لا وهو قناص الفرص الذي “نشأ وسط الميليشات اللبنانية وكان أحد أفرادها باسم حركي هو الشيطان” (جريدة المدى)، ورغم أنه استبدل الكلاشنكوف بالقلم إلا أنه على ما يبدو ما زال يحن في كثير من الأوقات إلى تلك الأيام خاصة أن الرصاص يدر أرباحاً أكثر من الحروف.
هجم بزي عبر صحيفة المدن الإلكترونية القطرية التي تصدر من بيروت على الفنان السوري يوسف عبدلكي، ورغم أن صحيفة المدن قد هاجمت عبدلكي في مقال لها غير موقع باسم أحد قبل مقال بزي بيوم واحد وذكرت فيه معلومات مغلوطة تماماً ولا أساس لها من الصحة، إلا أن بزي استفاض أكثر وتحدث مطولاً مُتهماً الفنان عبدلكي بـ”مساكنة النظام”، و”الرمادية” وغيرها من الاتهامات.
لن نخوض كثيراً في تفاصيل ما قاله بزي الذي ختم مقاله مستشهداً برأي “حكيم الثورة ومنظرها” ياسين الحاج صالح، ليدعم فكرته حول استسلام يوسف عبدلكي ورضوخه للنظام السوري، ثم تبدأ حملة عنيفة من التعليقات التي تهاجم وتخوّن وتشتم وتُلغي وتهمش.
كل ما ذكرته هو أمر عادي بالنسبة لتلك الوسائل التي شاركت في سفك دماء وتشريد ملايين البشر، لكن الأهم هو من يتحمل مسألة التحريض على الفنان يوسف عبدلكي وتحريك الرأي العام ضده ومهاجمته بهذه الطريقة؟ ماذا لو خرج أحدهم وقام بأذية الفنان من أي جهة كانت وماذا لو اختطفه أحدهم، أو اعتدى عليه ملثمون، هل ستتحمل المدن القطرية ومن خلفها ممولها تبعات هذا التحريض؟
لو أن إحدى الجماعات المتطرفة اختطفت الفنان عبدلكي هل كان القطريون سيفاوضون ويدفعون الفدية من أجل إطلاق سراحه؟ كما كانوا يفعلون حين يتم اختطاف جنود أتراك أو لبنانيين، أم أنهم سينتظرون مزيداً من التشويق والأكشن ويعرضون أفلاماً لتعذيبه عبر قنواتهم؟
لماذا لم يفعلوا شيئاً من أجل محمد رشيد الرويلي وإبراهيم خريط وبشير العاني، وسميرة خليل، وغيرهم؟ أم أنهم يفضلون رحيلهم ليتهموا ويحللوا ويفبركوا؟
آن الأوان لتسمية الأشياء بمسمياتها، وعلى كل إنسان أن يتحمل مسؤولية حروفه وكلماته وألا يرميها جزافاً ويمضي، فهذا العالم أصبح مجنوناً بالمطلق ودم ناهض حتر ما زال على أدراج دار القضاء، وكل من يطلق سهماً عليه أن يكون مستعداً لتبعاته وارتداداته، فما هكذا تورد الإبل يا بزي.
خاص موقع قلم رصاص