الرئيسية » رصاص ناعم » وجهاً لوجه مع حلب (9) “أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام”
لوحة للفنان السوري سعد يكن

وجهاً لوجه مع حلب (9) “أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام”

” أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام”

وسام الخطيب
وسام الخطيب

احتفلت ألمانيا بمرور 32 عاماً دون انقطاع التيار الكهربائي ولو لدقيقة واحدة، وانحنى وزير الكهرباء الياباني لمدة 20 دقيقة اعتذاراً عن انقطاع الكهرباء لنفس المدة السابقة، وفي حين تعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والاتحاد الأوربي من أكثر الدول إنتاجاً للكهرباء عالمياً، عادت سورية التي تتصارع فيها الأطراف السابقة إلى عصور الظلام لتشهد أزمة كهرباء خانقة شلت الحياة فيها منذ أكثر من ست سنوات.

عانت مدينة حلب من انقطاع الكهرباء لأشهر متواصلة، وكانت الفترات التي تعود فيها الكهرباء تكاد لا تذكر، وذلك بسبب تضرر شبكات الكهرباء نتيجة العمليات العسكرية في ريف حلب، والمفاوضات المستمرة بين قوات النظام وفصائل المعارضة المسلحة للسماح بدخول ورش إصلاح الكهرباء، وفي ظل تراشق الاتهامات بين الأطراف بين وجود أعطال وعدم وجودها ووضعها كحجة لتفسير التقنين الكبير في حلب وعدم التوزيع العادل للكهرباء، ظهرت على الدوام مبادرات أهلية للتوسط بين الطرفين للعمل على حل الموضوع.

بدأ الناس في الفترات الأولى باستخدام الشموع على مبدأ ” أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام”، ومن ثم شراء شواحن كهرباء، ومن ثم شراء مولدات صغيرة ووضعها في المنزل، وذلك لمن كان ميسور الحال، وسط أزمة محروقات خانقة، وارتفاع  مهول في أسعارها، مما جعل مشكلة الكهرباء عصية على الحل، وعندما استمر هذا الحال لأكثر من عامين متواصلين، أوجد أهل حلب الحل السحري بشراء مولدة كبيرة من شخص ميسور في كل حارة سكنية صغيرة، ومن ثم مد أسلاك للبيوت لتوزيع الأمبيرات في ساعات معينة مقابل اشتراك شهري يدفعه أصحاب المنازل، كحل جزئي لإنارة البيوت في المساء و تشغيل التلفاز، وهذا بالطبع وسط أعطال تكاد لا تنتهي على الدوام، وضجيج لا يطاق، والخضوع لجشع أصحاب المولدات، أما في الفترات التي تنقطع فيها المحروقات عن المدينة، يكون حتى هذا الحل غير متوافر على الإطلاق.

لنفكر في حياة المدنيين في القرن الواحد والعشرين بدون كهرباء، العودة لغسيل الملابس بالشكل البدائي، عدم وجود ثلاجات في المنزل، ومحاولة استعادة طرق الجدات في حفظ الأغذية، عدم وجود أية وسيلة للتبريد صيفاً، وعدم توافر وسائل التدفئة الكهربائية شتاء، و صعوبة توفير المازوت والبانزين كذلك، وباتت الحياة جحيماً حقيقياً، وشلت حياة آلاف البشر الذين يحتاجون للكهرباء كي يعملوا، عدا عن صعوبات الدراسة  للطلاب أو حتى الكتابة و القراءة على الكومبيوتر، وما كان يستغرق منك ساعة، أصبح يستغرق أياماً، وقد لا تستطيع تنفيذه على الإطلاق، ” أيا وطني جعلوك مسلسل رعب نتابع أحداثه في المساء، فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء؟”، هل كان نزار قباني يستشرف المستقبل!

في إحدى ليالي الشتاء الباردة كان علي التحضير لامتحان في اليوم القادم  كنت أشعر بالبرد الشديد، وعيناي متعبتان من القراءة على ضوء الشواحن والشموع، بقي للامتحان ساعات معدودة، وأنا أفكر في الدفء والنور، في تلك الليلة تحديداً انهارت حياتي أمامي، ودخلت في نوبة بكاء هستيرية، فقدت السيطرة على نفسي في لحظة مهمة، ولم ينفع شيء في تهدئتي، الغريب أن أشياء صغيرة وتافهة هي ما تقهرنا، مهما كنا أقوياء، وتحملنا ظروفاً طاحنةً قيما سبق، حاولت التفكير في عزاءات مثل عبارة السياب الشهيرة: ” والظلام ، حتى الظلام هناك أجمل” وهو يقصد العراق، أو عبارة أمل دنقل: “ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة ليمر النور للأجيال”، كانت عبارات رومانتيكية، لا أدري لماذا كنت أدونها وأحفظها في زمن مضى، فهي لا تسكّن ألم العينين للنور، ولا تدفئ الأطراف المتجمدة، فتحت مفكرتي، وكنت عازمة على كتابة رسالة مطولة إلى نفسي أبرر فيها  في زمن لاحقا الأسباب التي تدفعني للهجرة وترك كل شيء خلفي، ولا سيما الدراسات العليا، التي طالما اعتبرتها أكبر أحلامي، كان الاقتباس المدون في رأس الصفحة لمارتن لوثر كنج: “لا يمكن طرد الظلام بالظلام، الضوء وحده الذي يمكنه القيام بذلك”،  يا لها من عبارة بدهية، بيد أن الضوء كان بعيداً بحجم الفاجعة السورية ، كان بعيداً إلى الحد الذي جعلني هاجرت بالفعل بحثاً عنه!

 موقع قلم رصاص الثقافي

عن وسام الخطيب

وسام الخطيب
كاتبة فلسطينية، خريجة كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة حلب سورية، تكتب وتنشر في العديد من الصحف والمواقع العربية.

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *