ما أن بدأت الأزمة السورية حتى اصطف العرب وتوحدوا وهي المرة الأولى التي يتوحد فيها موقفهم ويمتلكون الجرأة لاتخاذ قرار جماعي ويباشرون بتنفيذه على الفور بلا هوادة، كان القرار هو “نبذ السوري” انتبهوا بالذال وليس بالضاد، هذا القرار تم تمريره بحجة “دعم” الشعب السوري من خلال إخراج سورية من الجامعة العربية، بهدف الضغط على النظام السوري و”تشليحه” الشرعية وكأنه اكتسب شرعيته من الجامعة حتى تُسقطها عنه، وتناست تلك الجامعة أنها بحاجة في الأصل لمن يمنحها الشرعية ويُعيد لها هيبتها المفقودة.
فرح جزء من الشعب السوري بقرار الجامعة العربية ظناً منه أن هذا القرار يستهدف سورية الدولة أو النظام دون الشعب، لكن الأمور اتضحت للعيان حين بدأ السوريون يفرون من الحرب المستعرة في بلادهم ولم يجدوا أي بلد يستقبلهم (باستثناء السودان الشقيق)، وكان الشعب السوري بكل أطيافه هو الخاسر الوحيد في تلك المعادلة، وهو الوحيد الذي دفع ثمناً باهظاً لتلك القرارات الارتجالية غير المدروسة.
ومنذ أن بدأت تلك الحرب اللعينة ونحن نسمع عن منع فنان (ة) سوري (ة) من دخول بلد عربي. فنانون سوريون معروفون ولهم مكانتهم وجمهورهم يتم احتجازهم في المطارات وتوقيفهم في بعض الأحيان أو إرجاعهم من حيث أتوا، ليس لأي سبب فقط لأنه يحمل جواز سفر سوري، أو لأن له موقفاً من الأزمة السورية يتعارض مع موقف تلك الدول، وهذا أيضاً من تداعيات قرارات الجامعة العربية التي أصدرت فيتو على السوري أينما ذهب، رغم أنه ومنذ بدء الفوضى الخلّاقة في المنطقة العربية يتحرك الإرهابيون الذين ينتمون لجماعات جهادية بكل أريحية وعلى العكس يتم تسهيل مهمتهم وعبورهم وتنقلهم، آلاف المصريين غادروا مصر عبر مطاراتها بشكل شرعي وهم يقاتلون الآن في سورية، وبعضهم عاد من سورية إلى مصر، وكذلك من السودان وتونس والمغرب ودول الخليج والأردن ولبنان وحتى من فلسطين المحتلة.
خليط من الجهاديين ابتليت بهم سورية لهم الحرية المطلقة بالتحرك بين المطارات العربية والعالمية، أما الفنان السوري مغنياً كان أم ممثلاً فلا يُسمح له بالدخول، وتتم معاملته بطريقة غير لائقة من قبل عناصر الأمن في المطارات حيث يتم تطويقه واقتياده وكأنه قد ارتكب جرماً، ربما لست فناناً ولكني ما زلت أذكر جيداً كيف تم توقيفنا واعتقالنا أنا وسبعة مسافرين سوريين في مطار الملكة علياء في العاصمة الأردنية عمان رغم أني كنت أحمل دعوة رسمية لحضور مؤتمر صحفي، لكن كل ذلك لا يعني أجهزة المخابرات التي تتقصد إهانة الشعب السوري عموماً والمشاهير خصوصاً، ويغتنم عناصر الأمن والمخابرات الفرصة لتعويض عقد نقصهم من خلال إمعانهم في إهانة الفنانين السوريين دون وجه حق.
يبقى جواز سفر الفنان هو فنه والأعمال التي يقدمها، وكل شيء غير ذلك لا يُعتد به، ويبقى للإنسان السوري كيانه وشخصيته الاعتبارية التي أهانها الساسة العرب في مطاراتهم ومراكز حدودهم، لكنها ستنهض من تحت الرماد لأنها من سلالة الفينيق.
مجلة قلم رصاص الثقافية