علي فالح |
أطلال لبناية ” نقابة الفنانين في البصرة” كانت في سبعينيات القرن الماضي بيتا رحبا لفناني المدينة وكانوا يشغلونه بفنهم وأصوات آلاتهم وحناجرهم، بيتاً يحمل في أروقته وغرفه وصالته ذكريات الفن والفنانين وسجل لمنجزهم الثقافي والفني، وكان هذا البيت الواقع في العشار والذي يقابل تمثالاً لأسد بابل متنفساً وفضاءً ثقافياً يختلف إليه عامة الناس أيضاً، ويضبط لهم موعداً مع فنانيهم ليمتعوهم بأعذب الألحان وأجملها وينسونهم تعب وشقاء سبعة أيام، ويتزودوا بالفن ليواجهوا سبعة أيام أخر…
وما أن دخل عام 2003 عام التحول والتغيير حتى تغير كل شيء في البلد وتحولت دار نقابة الفنانين مكان حدوث الفعل الثقافي والفني إلى ثكنة عسكرية !
وذهب فنانو المدينة كلً في طريق بحثاً عن المعيشة أو هروباً وخوفاً من القتل بعدما تحول الفنان من خلّاق إلى كافر في نظر السلطة، فعمدوا يخبرون الناس أن الفن والفنانين حلقات زائدة وترفاً ليس بمتناول الجميع ولا حاجة لهم بالفن وهم ماضون في بناء البلد وإعادته إلى الصدارة.
وقتها عانى الفن والفنانين الأمرين وذاقوا هواناً وعذاباً وغابوا وغيبوا عن ممارسة دورهم الفعال في الحركة الاجتماعية والثقافية، وتوسعت الهوة بين الفن والناس وتغيرت معانيه ومعالمه وصار سلعة بالية تنتج خارج البلد وتصدر له مع جملة من السلع الرديئة المستوردة.
وأما الفنانين الذين بقوا داخل البلد فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وهم في كمد وأسف على ما فرط في جنب الفن.
بقوا شتات حائرين لا من دار يجمعهم ولا من يعبأ بهم بعدما تغيرت الأفكار والتوجهات وعرف الفنان تعريفاً أخر وصار التيضيق كل التضييق على الفعل الثقافي والفني فلم يكون مزاج السلطة يتسع لهم ولم يكن ذوقه في السماع والتعايش يسمح لهم، وصارت الآلات الموسيقية من أسلحة المعارضة في مجتمع يشبه الى حد ما كتبه أيرول في رواية 1984.
وصار فؤاد الفنان فارغاً، وغريباً صار الفنان ترجماناً لبيت شعر لشاعر سومري كان يتكلم عن نفيه بعيداً عن القيثارة.
وفي مطلع عام 2016 عادت النقابة إلى الفنانين، عادت بعد ثلاثة عشر سنة من الدمار والخراب وبدأ الفنانون بالعمل الطوعي والجد الذاتي لتجديد وإخراج ما تبقى منها في منظر لائق نسبياً. لتعود الدار وتفتح الصراع بين ثنائية البقاء والزوال ثنائية الخلق والعدم، وتتحول إلى نسخة طبق الأصل من الفنان العراقي أو المثقف العراقي القادر على تشيء الأشياء والخلق من اللاشيء.
الفنان والمثقف الصورة للإنسان المعطوب والمخرب الأطراف والحزين غير المرتاح والمهجور والكبير القلب الخلاق الجميل، تفتح لك بناية النقابة أكثر من سؤال عندما تذهب لأماسيها، تدخل وتسمع دوزان الآلات والنغم المتداخل المتشابك ثم تجلس لتستمع إلى فناني فرقة النقابة وهم يعزفون المقطوعات الموسيقية وسط الأنقاض دونما أي شيء فالبناية خاوية وخالية تماماً إلا من الفن والروح وأنت وسط هذا الدمار والخراب.
تحولك الفرقة إلى زوربا وتستذكر رقصه وسط دماره الجميل، فتسأل روحك هل من الممكن أن يخرج من هذا الخراب فناً ؟ أو ما هو معنى الخلق حقاً ؟
كاتب عراقي ـ البصرة | خاص مجلة قلم رصاص الثقافية