الرئيسية » ممحاة » “الممحاة و الممحاة”

“الممحاة و الممحاة”

غالباً ما تكون الممحاة من أدوات المدرسة عند الأطفال ولكنها تأتي في سياق الأشياء التي يشتريها الطالب من أجل مدرسته فهو يشتري القلم والمبراة وقلم الرصاص والدفاتر ومن ثم يشتري الممحاة وخصوصاً في سنواته الدراسية الأولى التي يصر حتى الآن معلمو الصفوف الإبتدائية ألا يستعمل هذا الطفل غير قلم الرصاص.. ولا أعلم لماذا لم أستطع الكتابة حتى اليوم سوى بالقلم الرصاص ؟! قد يكون بحكم الاضطهاد الذي مارسه المعلمون، لكن هذا الأمر ليس مزعجاً في متقدم العمر بل على العكس تماماً يجعلك تصلح ما أفسدته من خربشات،  قد تغدو قصيدة أو مقالاً لكن الأمر المزعج هو لماذا لا يكتب الأطفال بقلم أزرق… ببساطة لأنه سيقوم بمحو الهفوات والأخطاء التي وقع فيها وهو أمر خطير جداً، لأنه عندما يعود  لقراءة أو دراسة ما خطت يداه لن يجد الأخطاء التي وقع فيها كي يتعلم منها، وقد تقع يداه على مخطوط للقراءة فيتعلم من أخطاء الآخرين على عكس ما يفعله حكام شرقنا قبل أن يصبحوا حكاماً بأمره وقبل أن يشتري أحدهم أي شيء بل قبل أن يشتري ملابسه الداخلية وأشك أنه يرتديها أصلا ( فهو يخلع يتنازل عن كل شيء ويخلع ما يؤمر أن يخلعه ) ، هو يشتري الممحاة، ولا شيء آخر فلا علاقة له بالقلم والمبراة أو الدفاتر فهو أصلاً يريد القضاء على العلم والتعليم لذلك يشتري من هذه الأدوات فقط ما يهمه أن يستعمله لوقت طويل، لذلك هو يشتري الممحاة والمسطرة…

الممحاة التي ترافقه طيلة أيام حكمه المجيد لأجيال وأجيال وهو يدأب على استعمالها منذ أول أيام حكمه وأول ما يفعله بهذه الممحاة هو  أن يمحو  آثار الذين سبقوه فالتاريخ يبدأ معه وينتهي عنده فهو الحكيم الفيلسوف الشاعر الرياضي المعلم بطل الحروب التي لم يخض أياً منها وحتى هذه اللحظة ما زلت لا أعرف من يقلده تلك الأوسمة والنياشين التي يعلقها على صدره وتكاد تصل إلى (…..) وبعد أن ينتهي محو التاريخ يأتي دور المسطرة التي سيسطر بها هذا التاريخ أفعاله التي ستفخر بها الأجيال القادمة والتي لا تعرف غيره فكم من أجيال من الشعوب المسكينة لا تعرف سوى حاكم واحد وفي أفضل الأحوال حاكمين لكنها لن تستطيع أن تلحق المسطرة التي سيسطر بها الحاكم الثاني أمجاده لأن أول سنوات حكمه سيقضيها مستعملاً الممحاة…

وهذه الأجيال لن ترى أياً من هذه الأفعال فهي ستكون هرمة  في آواخر عمرها وسنوات عمره هذه ستكون بالضرورة بداية عهد الحاكم الجديد …مسكين شعب بدايته ممحاة ونهايته ممحاة  وعمر يقضيه بين ممحاتين.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فؤاد ديب

فؤاد ديب
شاعر وصحفي فلسطيني سوري يعيش في ألمانيا، صدر له في الشعر (الورد لايوقظ الموتى -2006) و (ظل الرصاصة...جسد-2018).

شاهد أيضاً

مع ستيفان زفايج

يبدو لي أن الكاتب النمساوي ستيفان زفايج هو الأكثر اهتماما بمتابعة خيبات الحب، وأثرها في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *