الرئيسية » يوميات رصاص » يوميات حرب طائفية أهلية بمحلية (29)

يوميات حرب طائفية أهلية بمحلية (29)

دمشق.. مرة أخرى…
أحب حين تعود دمشق لتحيا في العشر الأخيرة من رمضان، ومع آذان المغرب الصادح من قلبها الأموي تستيقظ مجدداً على مهل، تتمطمط، وتدب فيها حياة الليل كما كانت قبل أن تبدأ الحرب.
جميلة هي في الليل الذي يستر كل عيوبها..
نجلس قرب الأموي نراقب أسراب السنونو في السماء المائلة إلى زرقة الليل الشاحبة، على جانبي الباب المواجه للمسكية نصبت لوحتين إعلانيتين لـ “سيرياتل العظيمة” ضمن حملة إعلانية لها لتوزيع وجبات الإفطار على المحتاجين، أتصور قرب إحداهما تحمل شعار “فوق الغيم لنعلّيك” لأضم الصورة إلى ألبوم “نحن” على الفيسبووك.
أحب التقاط الصور قرب اللوحات الإعلانية التي أفرزت نفسها خلال هذه الحرب.
يخرج المصورون من الأموي متكاسلين، يبدو أنهم انتهوا من تصوير توزيع “الإفطار الخيري”، وفي أثرهم يخرج شبان وهم يحملون بعضاً من تلك الوجبات الخيرية ويضعونها في سيارة خاصة ويرحلون.
قرب الباب شاحنة محملة بأكياس بيضاء تعود لتلف أدراجها أيضاً فنتساءل:
– كأنو رجعوا الوجبات يللي تصورا معاها؟
*****
ازدحام شديد، فهي ليست تلك المدينة الخاوية من سكانها التي أغلقت أبوابها على بيوت فارغة بانتظار عودة أصحابها. كثر همّ، لكن من بقوا وسط هذا الفصام كثر أيضاً.
لا مكان للجلوس في قهوة النوفرة رغم انقطاع الكهرباء والجو الخانق، يمزح النادل مع إحدى الزبونات قائلاً:
– شفتي الشعب السوري شو نقاق.. عم يغني “الحالة تعبانة يا ليلى”.. نحن حالتنا تعبانة شي؟
ملمحاً إلى جماعة على طاولة قريبة يعزفون على العود، ويغنون.
شاب من جمعية خيرية يوزع حزوز البطيخ على الموجودين، عادة لا أحبه، لكن لا أعرف لم أحسست الآن أن له طعماً آخر، مختلف، ناب عن الخبز والملح الذي تقاسمناه سويا ثم خّناه.
وفي الأعلى، عند الباب الخلفي للأموي يلف الدراويش ويلفون في تظاهرة رمضانية أقامتها وزارة السياحة.
لو يلف الزمن كدولاب تنانيرهم إلى الوراء، أو ليتقدم سريعاً إلى الأمام لنرى… ونتجلى.
*****
صوت الموسيقى وضجيج الأطفال يطغى على صوت القصف المكتوم البعيد، بضع طلقات توقظنا من وهم الحياة الطبيعية، وسيارة إسعاف عابرة في شارع مزدحم بمارة لبسوا أجمل ملابسهم للاحتفال بإكليل بدء حياة جديدة.
من قوس المريمية وحتى الباب الشرقي لا مكان على الرصيف للسير عليه، يفترشه زبائن المطاعم بدخان أراكيلهم، فقراء وأطفالهم الحفاة في أحضانهم، لاعبي الطاولة والعسكر الذين يفتشون الحقائب وخواصر الرجال.
دمشق بحق مدينة للمصابين بالفصام، خاصة في هذه الأيام العشر الأخيرة التي تسبق عيد الفطر، تبدو حياتها كما اعتدناها في ذاكرتنا، ترغمنا على نسيان واقعنا للحظات فنتابع كما لو أن شيئاً لم يكن.. كما كنا.. كما سنكون.

1/7/2016

 موقع قلم رصاص الثقافي 

عن آنــا عـكّـاش

آنــا عـكّـاش
كاتبة ومسرحية سورية، إجازة في اللغة الإنكليزية، إجازة في الدراسات المسرحية، دمشق، ماجستير في العلوم الثقافية وفنون العرض، تونس، عضو في اتحاد الكتاب العرب، وفي نقابة الفنانين، مؤسس فرقة "مراية المسرحية" 2017، عملت كمدرسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، وعملت في المسرح القومي في دمشق كدراماتورج ومعدة ومؤلفة نصوص مسرحية وكمخرج مساعد، وفي السنوات الأخيرة بصفة مخرج مسرحي. سيناريست لعدد من الأفلام القصيرة والأعمال التلفزيونية السورية، إضافة لعملها كمستشار درامي في عدة أفلام سورية. تعمل في الترجمة من اللغتين الإنكليزية والروسية، إضافة إلى دراسات وأبحاث في المسرح أهمها "تاريخ الأزياء" و"الأصول التاريخية لنشأة المونودراما".

شاهد أيضاً

وللمُدُنِ مَذاقاتٌ مُختلفة كما فَاكِهة الجَنّات (3)

3 ـ الإسكندرية.. ويحدث أحياناً.. أن تقع في حُبّ مدينة. لم يكن حبّاً من النظرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *